المهجّرون السوريون أصبحوا مادة للابتزاز السياسي!

 من المعروف أن السلطان العثماني أردوغان يعمل منذ بدء الأحداث الإرهابية في سورية على الاستثمار في قضية المهجرين من سورية، محاولاً ابتزاز دول الاتحاد الأوربي بشكل خاص، عبر المطالب المتعددة له وفي مقدمتها مليارات الدولارات، إلى جانب مكاسب سياسية تركية تتعلق بسفر الأتراك إلى الدول الأوربية، ولاحقاً المطالبة بتسهيل انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوربي.

لقد أبدت بعض الدول الأوربية في بداية الأمر المرونة في التعامل مع مسألة اللاجئين المهجرين مثل ألمانيا وإيطاليا وإيطاليا، ولكن في الفترة الأخيرة حصلت تطورات لافتة للنظر في التعامل مع هذه المسألة، فما الذي حصل؟

لقد تبين مؤخراً بوضوح أن التباكي الأوربي على قضية اللاجئين لم يكن إلا مشاعر خادعة وكاذبة لم تعكس النوايا الحقيقية، وبدأ قناع التعاطف مع اللاجئين يسقط تدريجياً، خاصة بعد نزع كثير من الأوراق من اللاعبين الإقليميين، خاصة منهم تركيا، فكل ما راهنت عليه من إقامة منطقة آمنة أو منطقة حظر طيران في الشمال السوري لم يتحقق منه شيء، إلى جانب ما لاقته المجموعات الإرهابية المرتبطة بها مباشرة من هزائم في ريفَي اللاذقية وحلب…لقد انتصرت تركيا ودول الاتحاد الأوربي أخيراً لمصالحها، وبقي اللاجئون ضحايا في كل الأحوال ومادة للاستثمار السياسي الرخيص.

فبعد اجتماعات تركية- أوربية مكثفة واتفاقيات معلنة وخفية، أصبحت قضية اللاجئين مادة دسمة للمساومة بين تركيا والاتحاد الأوربي، وإذا كان في السابق هناك طريق مفتوح من سورية إلى أوربا عبر تركيا، فإن هذا الطريق سيغلق ولن يسمح للسير فيه إلا في الاتجاه المعاكس، أي من أوربا إلى نقطة الانطلاق الأولى (تركيا)، ما يعني عملية ترحيل واسعة النطاق لعشرات الآلاف، مغلفة ببعض البيانات السياسية وبعض المخاوف على الأمن الأوربي والإقليمي.

إن القوانين الدولية والمعاهدات السارية تكفل حق كل دولة في الدفاع عن مصالحها، ومن أجل هذه المصالح، يمكن أن تخوض حروباً وتنفذ ما شاءت من مناورات سياسية، بيد أن ذلك الحق لا يسمح لأي دولة بالمتاجرة في القضايا الإنسانية وتوظيفها حسب المصلحة الخاصة، وحسب اتجاه التحالفات والتوافقات والرياح الإقليمية والدولية، وهذا ما حصل للاجئين السوريين تحديداً الذين هُجروا من أراضيهم ومنازلهم بفعل ممارسات المجموعات الإرهابية المسلحة من قتل ونهب وتعذيب، وكذلك بسبب التحريض الذي مارسته عدة أطراف خارجية عليهم، لتكبير المأساة الإنسانية والنفخ فيها، ولإثارة غرائز التدخلات الدولية وما وراءها من مكاسب عسكرية وسياسية لبعض الدول في مقدمتها تركيا والسعودية وقطر. وعندما ساهم التدخل العسكري الروسي الجوي في سورية في إحباط مثل هذه المخططات، وبعد الاختراقات النوعية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه على مختلف الجبهات، وبعدما غدا واضحاً أن المسار يتجه إلى الحل السياسي، فطن اللاعبون الدوليون والإقليميون لأزمة المهجّرين السوريين، وبدؤوا يعملون للتخلص مما أسموه (العبء الثقيل) على تركيا والاتحاد الأوربي.

لقد نص الاتفاق التركي- الأوربي الجديد على أن يقوم الاتحاد الأوربي بإسكان (سوري واحد) يقيم حالياً في مخيمات تركيا، مقابل أن تستعيد أنقرة (سورياً آخر) ممن أسموهم (اللاجئين الفوضويين) العالقين في الجزر اليونانية، وتترافق هذه الخطة مع استراتيجية أوربية شاملة لإغلاق جميع ممرات اللجوء سواء عبر بحر إيجة أو البحر المتوسط.

وبهذا الاتفاق المخزي لم يعد بإمكان عشرات الآلاف من السوريين معرفة أي مصير ينتظرهم، وعلى أي أرض سيستقرون في ظل هذه المساومة الخطرة واللاإنسانية.

كلمة أخيرة في هذا الاتفاق، فهو أولاً لا يتطابق مع القانون الدولي لا نصاً ولا روحاً، وهذا الأمر يمكن أن يقوّضه من أساساً.. ثانياً: المشهد السياسي في أوربا يتحرك بحيوية مفرطة إزاء القضايا المصيرية، خاصة في ظل نزوع تيارات أوربية نحو اليمين المعادي للاجئين والمسلمين عامة، وبالتالي فإن ضغوط الشارع الأوربي قد تؤدي إلى تعديل هذا الاتفاق أو نسفه.

باختصار.. إن ضحايا الحرب الإرهابية على سورية سيستمرون ضحايا المجموعات الإرهابية المسلحة وعصابات التهريب ومصالح الدول الإقليمية الداعمة لها مثل تركيا والسعودية وقطر وغيرها.

العدد 1107 - 22/5/2024