الإرهاب في أوربا مرتبط بحروب المنطقة والنفط السعودي

هل يمكن أن تتصدى أوربا بنجاح للموجة الإرهابية التي تضربها؟ أم أن الإرهاب سيضربها إلى أجل غير مسمى؟

في إطار الإجابة عن هذا السؤال يمكن القول بأن القضاء على الإرهاب متاح اليوم كما في الأمس، إذا ما اعتُمدت وسائل ومقاربات فعالة.

إرهاب الثمانينيات والتسعينيات

على سبيل المثال.. في تسعينيات القرن الماضي على هامش الحرب الأهلية في الجزائر، فُجرت عبوات ناسفة في محطة للقطار، وفي بعض الأماكن العامة في باريس من قبل شبكة مرتبطة بالجماعة المسلحة في الجزائر، كما اختطف أربعة جزائريين في ضواحي العاصمة الجزائرية طائرة فرنسية إلى مرسيليا، قبل أن تتمكن وحدة مكافحة الإرهاب من اقتحام الطائرة وتصفيتهم، وقد أدى ذلك الحادث إلى هلع كبير في فرنسا يشبه تماماً ما حصل في باريس وبروكسل خلال الشهور والأيام الماضية.

انتهت تلك الموجة من العمليات الإرهابية مع نهاية الحرب الأهلية في الجزائر ليتضح أن الإرهاب كان مرتبطاً بالحرب، وأنه كان رداً على السياسة الغربية إزاء الجزائر، كما تمكنت فرنسا من حصر الشبكة التي كانت تنفذ التفجيرات وتصفيتها، وبالتالي طويت صفحة الإرهاب الذي ضرب فرنسا بموازاة الحرب الأهلية الجزائرية.

في الثمانينيات ضربت موجة مماثلة من الإرهاب فرنسا، منها هجمات بالقنابل والعبوات الناسفة على وسائل النقل وفي الأماكن العامة، خاصة في شارع (رين) بالقرب من حي (مونبارناس) الشهير، وتبين أن منفذي هذه الموجة من شمال إفريقيا وأنها تمت على هامش الحرب العراقية الإيرانية، وانتهت تلك الموجة بعد طي صفحة تلك الحرب.

على هامش الحرب الأمريكية على العراق وخلالها، وقعت أعمال إرهابية في كل من بريطانيا وإسبانيا، أدت إحداها إلى سحب القوات الإسبانية من العراق، في حين لم تشهد باريس أعمالاً إرهابية، لأنها عارضت الحرب على العراق في عهد الرئيس جاك شيراك، وهذا ما يعني أن العمليات الإرهابية لا تسقط على العواصم الغربية (عشوائياً)، وإنما على هامش الحروب والنزاعات.. وبالطبع هذا الاستنتاج ليس لتبريرها أو التخفيف من أثرها، لأن قتل الأبرياء وتخريب المنشآت العامة لا يمكن تبريره بأي سبب، وإنما لتفسير سيرورة هذه الأعمال منذ بدئها حتى انتهائها.

الإرهاب الأخير في أوربا

من دون شك، فالموجة الإرهابية الأخيرة التي ضربت باريس وبروكسل تشبه الموجات السابقة مع فارق أن الإرهاب ضرب هذه المرة بلدين أوربيين في وقت واحد تقريباً، الأمر الذي يعني معاقبة القارة الأوربية بأسرها التي غضت الطرف عن انتقال رعاياها إلى سورية والعراق، لأنها كانت تأمل أن يؤدوا دوراً في إسقاط الدولة السورية، إلا أن فشل هذا الهدف أدى إلى عودة هؤلاء أو بعضهم إلى بلدانهم وتحولوا إلى قنابل بشرية تنفجر هنا وهناك، بعد أن جنحت فرنسا ومعها الدول الكبرى نحو تسوية الأزمة  السورية بالوسائل السياسية، وبعد تصنيف داعش وجبهة النصرة وفصائل متفرعة عنهما في خانة الإرهاب والدعوة لمحاربتها والقضاء عليها.

ثمة من يرى في الغرب أن لا علاقة للإرهاب الذي يضرب أوربا بالبؤر والحروب المشتعلة في منطقة الشرق الأسوسط، وأن الإرهابيين يُفجرون أنفسهم لأنهم يكرهون الغرب والديمقراطية؟ هذا التفسير خاطئ تماماً لعدة أسباب منها أن الإرهابيين لم يتحولوا إلى قنابل بشرية إلا بعد ذهابهم إلى سورية والعراق، وإجراء عمليات غسل دماغ لهم، من أجل  إسقاط الدولة السورية، ما يعني بوضوح أن الإرهاب في أوربا مرتبط مباشرة بالحرب الدائرة في سورية وعليها، وأن انتهاء هذا الإرهاب في العواصم الأوربية مرتبط بانتهاء الحرب في سورية التي قال عنها فابيوس وزير الخارجية الفرنسية السابق إنها قضية عادلة، حسب زعمه، وأن فرنسا رضيت بذهاب فرنسيين إلى سورية لهذا الغرض!

بتعبير أكثر وضوحاً ودقة، يمكن التأكيد أن الحرب على سورية، التي كان لأوربا دور في شنها عليها، كانت بمثابة (الصاعق) الذي فجر العمليات الإرهابية في الدول الأوربية.

الدم الأوربي مقابل النفط السعودي

أمر آخر مهم في مسألة التفجيرات الإرهابية في الدول الأوربية، وهو (تغاضي) بعض هذه الدول عن ظاهرة نشر الفكر الوهابي السعودي السلفي في القارة الأوربية من قبل أئمة المساجد التي تمولها وتقيمها السعودية في المدن الأوربية وحتى في أمريكا، وأكبر مثال على ذلك قول عز الدين غاسي، رئيس المجلس الإسلامي الإقليمي في منطقة (رون) جنوبي فرنسا عن دور المساجد الممولة سعودياً، وحقيقتها ، قال بالحرف الواحد: (عندما تعطيك المملكة مليون يورو بيد، تعطيك باليد الأخرى قائمة بما يجب وما لا يجب عليك قوله)!

ومما يسمى بـ(المركز الثقافي الإسلامي البلجيكي) يخرج سنوياً 700 طفل من حفظة القرآن المشبعين بالفكر الوهابي التفكيري، وتلقى فيه الخطب السلفية والمعادية للغرب، وهذا المركز أقيم وسمح له بتدريب الأئمة، مقابل استمرار تدفق النفط بأسعار زهيدة إلى بلجيكا طيلة 99 عاماً، وهذا المركز وغيره يشير إلى تغاضي الدول الأوربية عن الدور السعودي الوهابي في قلب القارة العجوز مقابل النفط.

بالطبع ليست بلجيكا الاستثناء في هذا المجال، ففي تورينتو وبيونس آيرس والمالديف وإنجامينا وأدينبره وبريطانيا وفرنسا مساجد كبيرة ممولة سعودياً، مثل مسجد وايت شابل شرق لندن المكون من عشرة طوابق ويتسع لـ10 آلاف مصل، وفي الولايات المتحدة أيضاً تنتشر المساجد التي تمولها السعودية بكثرة.

الخلاصة.. إن دورة المال والفكر السعودي في الغرب هي من الأسباب الرئيسية للإرهاب الذي يضرب أوربا والشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم، إضافة إلى ذلك فإن الحروب التي شنها ويشنها الغرب على أكثر من دولة عربية عبر مجموعات إرهابية رعاها ومولها، هي التي تشكل صاعقاً للعمليات الإرهابية في أوربا وغيرها.

العدد 1107 - 22/5/2024