لماذا يوم النصر في روسيا مشمس دائماً؟

التاريخ الروسي تاريخ عريق وغني وفاعل على المستوى العالمي، ومنذ معركة بورودينو عام 1812 بين الجيش الروسي بقيادة كوتوزوف، والجيش الفرنسي بقيادة نابليون التي سقط فيها في يوم واحد نحو مئة ألف قتيل من الجانبين. سجل التاريخ الروسي العديد من المفاصل التي غيرت مجرى التاريخ، وأهمها يوم انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية التي بدأت باجتياح ألمانيا الأراضي الروسية في 22 حزيران عام 1941 وانتهت بتوقيع ألمانيا استسلامها غير المشروط في 9 أيار 1945. ومنذ نهاية هذه الحرب حافظ الروس على تقليد الاحتفال بهذا اليوم الذي يصادف هذا العام الذكرى الحادية والسبعين له.

ألمانيا النازية لم تكن لتهزم لولا الجيش السوفييتي، إذ على الرغم من مشاركة الدول العظمى آنذاك في الحرب إضافة إلى العديد من البلدان الأخرى، كان المجهود الحربي السوفييتي هو الأكبر والأكثر حسماً في إنهاء الحرب العالمية الثانية. وعبّر عن ذلك الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت عندما قال: (أجد صعوبة في الابتعاد عن حقيقة بسيطة وهي أن الجيوش الروسية تقاتل على عدة محاور وتدمر عتاداً أكثر مما تفعله جيوش 25 بلداً مشتركاً في هذه الحرب). وتشير وثائق الحرب العالمية الثانية إلى أن الجيش السوفييتي قضى على 607 فرق عسكرية ألمانية خلال الفترة الواقعة بين عامي 1941-،1945 مقابل 176 فرقة قضت عليها القوات البريطانية والأمريكية وحلفاؤهما، اي مايقارب نحو 10 ملايين جندي ألماني من أصل 13,4مليوناً كانوا مشاركين بالحرب. كما تكبد الجيش الألماني النازي خسائر لوجستية على الجبهة الروسية ستة أضعاف ما تكبده على الجبهة الأوربية وشمال إفريقيا.

يقام الاحتفال سنوياً في الساحة الحمراء بموسكو بمشاركة آلاف الجنود الروس، ومئات القطع العسكرية والجوية، في واحد من أضخم العروض العسكرية التي يشهدها العالم سنوياً. ويحضره رؤساء ورؤساء وزراء وقادة جيوش ودبلوماسيون، من عدد كبير من دول العالم. ويحصل العرض العسكري في التاسع من أيار من كل عام في يومٍ مشمس، إذ تستخدم سلطات مدينة موسكو تقنية (إعدام الغيوم)، وتجري من خلالها تفريق السحب على مسافة تتراوح ما بين 50 إلى 150 كم عن مكان العرض.

جاء يوم النصر كما يسميه الروس على المآسي والصبر والشجاعة لكل مواطن سوفييتي تحمل خلال الحرب كل ما يمكن تحمله. في هذا اليوم لم تضيّع مواطنَ الاتحاد السوفييتي المآسي التي قاساها. لم يكتف الشعب السوفييتي بالقتال على الجبهة، بل عمل وزرع وصنع في اللحظات الصعبة والخطرة. ورغم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للاتحاد السوفييتي بذل العامل السوفييتي المستحيل للمواجهة، نقل المصانع من الغرب إلى الشرق الروسي، أعاد البناء وزاد الإنتاج. لم يتوقف العقل الروسي عن التفكير والابتكار أبداً خلال القصف والدمار، ولم تتوقف الآلة السوفييتية عن العمل أبداً خلال الحرب. العلماء والمهندسون طوروا وحدّثوا، واستمروا رغم المصاعب وأنتجوا، بل تفوقوا على الصناعة العسكرية الألمانية. وبالنتيجة انتصر الشعب السوفييتي في التاسع من أيار عام ،1945 وهُزمت النازية، وسقطت عاصمة الرايخ الثالث، وسقطت معها أخطر الإيديولوجيات على وجه الأرض. ورغم كل محاولات الماكينة الإعلامية الغربية تشويه هذا الانتصار وحصره في شخصية ستالين المثيرة للجدل، بقي الروس ينظرون إلى هذه الحرب على أنها إنجاز كل مواطن سوفييتي من العامل البسيط إلى القائد السياسي الأعلى. وهم يعتبرون هذا اليوم يوم وفاء لكل أولئك الأجداد الذين ضحوا، ويعلنونه عهداً سنوياً أن وطنهم روسيا مازالت قطباً رئيسياً في عالمنا.

العدد 1107 - 22/5/2024