الموقف الإسرائيلي حيال موضوع جزيرتي صنافر وتيران

 في الآونة الأخيرة حدثت واقعتان لهما دلالتهما وأبعادهما:

الأولى: أواخر شهر شباط الماضي من العام الحالي في مجلس الشعب المصري، عندما أقدم نائب مصري على ضرب زميله بحذائه، بسبب استقبال الأخير توفيق عكاشة في منزله بالقاهرة السفير الإسرائيلي في مصر، وأردف النائب الضارب فعلته بكلام مهم جداً عندما قال: (أنا عبرت عن رأي الشعب المصري، وهذا الحذاء ليس على رأس عكاشة ووجهه فحسب، لكن على الكنيست والكيان الصهيوني). والواقعة الثانية هي قيام وحدة من البحرية الإيرانية بتوقيف تجار أمريكيين شمال مضيق هرمز دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية، وتم توزيع صورهم وهم راكعون على ظهر مركبهم البحري العسكري، يخضعون للتفتيش والتحقيق من قبل البحارة الإيرانيين.

هاتان الواقعتان أزعجتا إسرائيل إلى حد كبير، وكذلك من خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.. لا شبك بأن الواقعتين لا تنفصلان عن مسألة تسليم مصر إلى المملكة السعودية ما أسمته الوديعة السعودية (جزيرتي تيران وصنافير) المصريتين.

في حقيقة الأمر أن إسرائيل أظهرت في البداية دلعاً وغنجاً حول الموضوع، عندما أوحت حكومتها بأنها ستدرس الموضوع، فقد ادعت بأن هذا الأمر قد لا يخدم ما أسمته الأمن القومي الإسرائيلي، وأنها ستتابعه مع مصر مباشرة أو من خلال الولايات المتحدة الأمريكية التي رعت اتفاق كامب ديفيد، ومع الأمم المتحدة ضامنة الاتفاق المذكور وبنوده الملزمة المتعلقة بالجزيرتين المذكورتين بشكل خاص، ليلاقيها عبر الإعلام عادل الجبير وزير خارجية آل سعود بتصريح يقول فيه: (إن المملكة لن تتصرف إلا بما يؤمن تقيد مصر والتزامها بتدابير وإجراءات الاتفاق مع إسرائيل، ولن يغير استبدال سيادة مصر بسيادة المملكة على الجزر شيئاً حول ذلك). وقد تبين لاحقاً من خلال التصريحات الإسرائيلية أن إسرائيل كانت على علم مسبق بعملية استعادة السعودية للسيادة على الجزيرتين، وأن القرار المصري – السعودي غير بعيد عن إرادتها، وهي تدعمه وتستفيد منه من خلال التالي:

أولاً- لقد عبّر النائب المصري بكلامه الذي أرفقه برمي الحذاء على زميله عن أن الشعب المصري لم ولن يندمج بفكرة اتفاق السلام مع إسرائيل، وأن هذا الأمر أصبح معلوماً وواضحاً في غالبية الأوساط المصرية والإسرائيلية الشعبية منها والرسمية، ولذا ترى إسرائيل أن النظام السعودي (وليس بالطبع الشعب المصري) له كلمته الفاعلة ورأيه المؤثر على السلطة في مصر، ومثل هذا الأمر غير متوفر على المدى المنظور في السعودية.

ثانياً- ترى إسرائيل في سيادة المملكة على الجزيرتين مصلحة استراتيجية وعملانية لها، وذلك امتداداً للتنسيق السري مع السعودية الذي يتجسد في  الحرب على اليمن، إذ يساعد الطيران الإسرائيلي طيران التحالف السعودي في عمليات الرصد وإدارة الحرب الجوية، إذ إن لإسرائيل خبرة في استهداف البنية التحتية والمدنيين، وتجلى أيضاً في دعمها لمسلحي النصرة في معاركها ضد الجيش السوري في جنوب سورية، فقد فتحت لهم المعابر لإدخال الأسلحة والمستشفيات لمعالجة جرحاهم، كل هذا لن يكون مضموناً حصوله مع مصر بالتأكيد.

ثالثاً- إن إسرائيل قلقة دائماً من النفوذ العسكري المتصاعد لإيران، وخاصة نفوذها البحري في البحار والمحيطات الخاضعة لأهم الممرات المائية الاستراتيجية ما بين قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، يزيد هذا القلق المناورات البحرية الإيرانية الدائمة، ولذلك ستجد إسرائيل في إقامة قواعد عسكرية أمريكية وغربية في الجزيرتين على مدخل العقبة خدمة كبيرة لأمنها، لاسيما أن السعودية تفتح الباب لإقامة مثل هذه القواعد، وهذا الأمر لم تكن لتسمح به مصر حالياً أو على المدى المنظور.

جدير بالذكر أن مصر استفادت مادياً من السعودية لقاء فتحها هاتين الجزيرتين، لأنها تعاني أزمات مالية واقتصادية، إلا أن السيادة الوطنية والقومية لا تباع بالمال، وهذا ما عبرت عنه التظاهرات الشعبية المصرية احتجاجاً على القرار المصري. على أي حال، إن سيطرة السعودية على الجزر المذكورة بدلاً من سيطرة مصر، يشكل شهادة قومية تسجل لمصلحة مصر عبد الناصر ومصر العروبة.

العدد 1107 - 22/5/2024