عصا الأزمة السورية وجزرتها.. في سياسات الرياض تجاه الأردن

 ظهرت دولة الأردن على الخريطة الدولية بعد اتفاقية سايكس-بيكو بين فرنسا وبريطانيا الاستعماريتين في القرن الماضي، وانطبع لاحقاً اسم العائلة الملكية الهاشمية الحاكمة باسم مملكة الأردن. حالياً يحكم الملك عبدالله الثاني منذ عام 1999 خلفاً لأبيه الملك حسين الذي حكم الأردن مدة 42 عاماً. وفي تموز ،2009 عيّن الملك عبدالله ابنه الامير حسين بن عبدالله – وهو من مواليد 1994- ولياً للعهد على المملكة. تقع الأردن اليوم في موقع مفصلي بحدودها المشتركة مع سورية وعلاقاتها الوثيقة مع المملكة العربية السعودية.

الدور الأردني في الصراع في سورية متعدد الجوانب. فلسنوات عدة سمحت المخابرات الأردنية للمجموعات الإسلامية المسلحة التي تقاتل الجيش السوري بأن تعمل داخل سورية، خاصة في الجنوب السوري، حيث جمعت الروابط القبلية قسم من مواطني الأردن وسورية، على نحو مماثل لما هو الحال مع العراق. ورغم التمويل الخليجي عبر الوسيط الأردني، إلا أن عملية التدخل هذه لم تكن لتنجح لولا عملية التمدد العقائدية التي نشأت وتوسعت بشكل كبير في محافظة درعا بعد حرب الخليج الثانية، مع انتماء عناصر يحملون فكر الإخوان المسلمين إلى تنظيم حزب فاعل وقيادي في سورية. وخلال عقدين من الزمن توسعت القاعدة الإخوانية في صفوف قيادات هذا الحزب، بتغطية قد تكون مقصودة أو غير مقصودة من رؤساء حكومة سابقين. وأدى ذلك لاحقاً إلى تهيئة الحاضنة الشعبية (الكامنة) الموالية للمجموعات الإرهابية. من هنا كان للمملكة العربية السعودية التأثير الكبير على المجموعات الفاشية الإسلامية من جنوب سورية إلى غوطة دمشق. مع ذلك لم يكن دورها ليصبح فاعلاً دون صيغة ما مع المملكة الأردنية يتعلق بارتهان قرارها السياسي للرياض مقابل عائدات مادية مغرية.

هكذا جرى إنشاء مجلس التنسيق السعودي- الأردني في 27 الشهر الماضي، وهو معنيّ في أحد جوانبه بالدعم المالي للأردن من قبل الرياض في استمرار للتنسيق الأردني السعودي المتواصل. قاد هذا الاتفاق عن الجانب الأردني الوزير السابق باسم عوض الله، مبعوث الملك عبد الله الخاص إلى المملكة العربية السعودية، وأُعلن عنه لكن دون أي تفاصيل واضحة ودون ضجة إعلامية!؟ ووفقاً لعوض الله فإن من مهام هذا المجلس تأمين تسهيلات مالية وبيئة مناسبة لاستثمار مبلغ يقدر بعدة مليارات من الدولارات (في القطاعات الاقتصادية الرئيسية) مع التركيز على خلق فرص العمل، وفتح أسواق جديدة للمنتجات الأردنية.

بشكل عام ليس جديداً مقايضة السياسات الخارجية للمملكة الأردنية مقابل مساعدات مالية خليجية وسعودية تحديداً، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الشعب الأردني. ومنذ اندلاع الأحداث في سورية عام 2011 تهافتت دول الخليج بعروض مغرية على الأردن لكسبه لصالح الحملة الدولية على سورية، واقترح وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم في جدة، ذلك العام، منح الأردن ملياري دولار سنوياً على مدى خمس سنوات، مع وعود قوية لضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي. لكن تاريخياً معروف عن السعودية أنها مترددة كثيراً في تعهداتها المالية، آخرها على سبيل المثال تراجعها عن التزامها بدفع ثلاثة مليارات دولار لدعم الجيش اللبناني. كذلك مع الأردن، فمنذ عام 2012 تضاءلت المساعدات المُقدمة من السعودية إلى عمّان بشكل كبير، على خلفية ترددها في الدعم المطلق للجماعات الإسلامية المسلحة في الجنوب السوري، ثم دخولها ضمن مظلة التفاهمات الروسية الأمريكية حول دعم الحل السياسي في سورية، وهو ما ترفضه الرياض ضمنياً. رغم حضور مؤشّرات حالية على أن هناك إعادة تفعيل دور ما للنّظام الأردني في الجنوب السوري خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الأمريكية.

إن اندفاع الرياض المحموم لإبقاء هيمنتها على الدول العربية المحيطة بها، أعادها إلى التفكير بزيادة المساعدات للأردن. إن تركيز الاستثمارات السعودية في منطقة العقبة الصناعية القريبة جداً من الجزيرتين اللتين أخذتهما المملكة من مصر قبل فترة قصيرة يثير تساؤلات عدة، خاصة أن هذه الاستثمارات ستُركز على حد قول عوض الله، على موضوع تعاون الرياض في تطوير قطاع الطاقة النووية الناشئ في الأردن. هنا يمكن تتبّع طرف الخيط، إذ دعت الحكومة الأردنية قبل فترة إلى دراسة جدوى استثمار خام اليورانيوم المرافق لتوضعات الفوسفات المعروفة في الأردن. وعلى الرغم من أن المبادرة المالية لمجلس التنسيق السعودي- الأردني قد صوّرت أنها تصب في إطار جهود دعم التنوع في الاقتصاد الأردني، ويبدو أن المبادرة تتمحور حول موضوع استثمار خام اليورانيوم. ربما في محاولة لقطع الطريق على إمكانية سعي إيران للاستثمار المنجمي في الأردن، إذ إن الاتفاق النووي الايراني سمح لإيران بالحق في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية والسعي لإيجاد المواد اللازمة لذلك.

لا ننكر أن الحرب في سورية اثرت بشدة على الأردن، إذ أدت هذه الحرب إلى خسائر كبيرة في قطاعَي السياحة والتجارة الأردنيين وقطاعات مختلفة أخرى. كما أن وجود حوالى مليون نازح سوري في الأردن خلق ضغوطاً هائلة على البنية التحتية، وزاد بشكل كبير من معدل البطالة. وقد أجبر الوضع المتدهور للاقتصاد الأردني هذا العام إلى إعلان وزير المالية عمر ملحس خفض توقعات النمو للسنة المالية 2016/2017 في المملكة من 27 إلى 5,3%. مع ذلك، هذا لا يعني أن يضحّي النظام الأردني بأمنه وأمن جارته الجمهورية العربية السورية.

إن تداعيات الأزمة السورية على المستويين الإقليمي والعربي تظهر أن التنازلات السياسية التي تقدمها المملكة الأردنية لا تساوي بضعة المليارات من الدولارات التي تأخذها من المملكة السعودية، ولا تساوي وضع مستقبل الشعب الأردني رهينة لاستراتيجيات الهيمنة السعودية على المنطقة.

العدد 1107 - 22/5/2024