انخفاض الأسعار في مؤسسات التدخل الايجابي.. ولكن !

 إذا كان قرار الحكومة بإعادة الروح والحياة الى مؤسسات القطاع العام أو ما باتت تعرف بمؤسسات التدخل الإيجابي، سليماً وصائباً، في الوقت الذي بات فيه المواطن عرضة لكل عمليات الابتزاز والنهب من قبل عدد غير قليل من التجار، فأعتقد أن هذا القرار كان بالإمكان ان يكون أكثر فائدة ومنفعة لو راعى جملة من الشروط، ولو دُرس على نار هادئة بحيث يستطيع ان يكون منافساً قوياً وشريفاً في السوق .

إن ما يحدث في الأسواق من عمليات احتكار واستغلال للظروف التي تمر بها البلاد، وانعدام الرقابة التموينية والأخلاقية، ليست وليدة يوم وليلة بل هي نتاج لسنوات مرت قبل الأزمة وخلالها، وأخشى ما أخشاه ككل المواطنين أن تستمر إلى ما بعد الأزمة، وفق مبدأ (خلونا نفتح صفحة جديدة)!

وبالعودة الى موضوعنا فإن هذه المؤسسات لاقت إقبالاً من المواطنين لأكثر من سبب، الأول – برأيي الشخصي – هو ما بقي من ثقة المواطنين بمؤسسات القطاع العام وبأسعار المؤسسات انطلاقاً من كون العاملين فيها موظفين ولا يتحملون أي خسارة قد تقع بها المؤسسة، والسبب الثاني هو انخفاض الأسعار في هذه المؤسسات مقارنة بما هي عليه للمادة نفسها في السوق ولكن ليس للصنف نفسه أو المنتج، إذ تصادفنا على سبيل المثال أنواع من رب البندورة مثلاً بأسعار أقل مما هي عليه في السوق ولكن ليست بالجودة نفسها، وقس على ذلك السمون والزيوت والأرز وحتى السكر.

توفر المادة وليس النوعية

في جولة جريدة (النور) على مؤسسات التدخل الايجابي بطرطوس لاحظنا إقبالاً كبيراً عليها وبالتدقيق في المواد التي يتم استجرارها لاحظنا أن معظم المواطنين يستجرّون مادة السكّر والزيت وبعض أنواع المعلبات، وبالسؤال عن السبب تنوعت الإجابات وتعددت:

السيدة مهى (موظفة): أنا قصدت المؤسسة لشراء مادة السكر لأن سعره بالسوق حوالي 400 ليرة بينما هنا يباع بحدود 225 علماً أنني اشتريته لمرة واحدة من المؤسسة ب275 ليرة، واشتريت زيت نباتي لأن الفارق كبير بين سعره في المؤسسة وسعره في السوق. وعند سؤالها عن النوعية قالت بأن النوعية لا تهمها المهم أن يتوفر زيت القلي وبسعر مقبول. أما السكر فلا يهمها اللون بل طعم الحلاوة.

السيد إبراهيم محمد (عامل): لدي سبعة أولاد ولا يمكنني أن أحصل على كل متطلبات الأسرة.. في هذه الصالة أجد بعض ما نحتاجه وبأسعار تناسب دخلي ولكن نتمنى من المسؤولين توفير كميات أكبر من الموجود، فليس من المقبول أن أحصل على 4 كيلو غرام من السكر لمدة خمسة عشر يوماً، كما قال لنا المسؤول عن البيع هنا. وبسؤاله عن النوعية أجاب بأن النوعية لا تهمه بل ما يهمه هو توفير أي مبلغ مهما كان ضئيلاً لشراء مواد أخرى يحتاجها.

إدارات مقيدة

المتابع لنوعية المواد المكدّسة في زوايا عدد من المؤسسات والتي مرّ عليها سنوات وربما انتهت مدة صلاحيتها يدرك بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه المواد التي فرضت على المؤسسات لسبب ما، لو كانت لإدارة تلك المؤسسات الحرية في استجرار ما يحتاجه السوق لما استجرتها، أي يجب ترك الإدارات تعمل بعقلية التاجر ضمن حدود مضبوطة وخاضعة لقوانين حديثة تمكنها من استجرار ما تحتاج إليه بشكل مباشر دون وجود وسيط ولجان وما إلى ذلك، وعدم التعاطي مع تلك الإدارات من منطلق الموظف الذي لا همّ له سوى انتهاء الدوام، سواء باع ما بمؤسسته من مواد ام لم يبع شيئاً منها .

ربما كان من الضروري إيجاد قانون استثنائي مرن بشروط إدارية ومالية لمؤسسات التدخل الايجابي تتناسب مع مفاعيل الأزمة بعيداً عن البيروقراطية بحيث يكون لتلك المؤسسات الحرية في استيراد ما تحتاجه بشكل مباشر من بلد المنشأ دون المرور بالحلقات التجارية وباللجان وما إلى ذلك، بحيث تفرض هذه المؤسسات أسعارها في السوق بما يخفف من وطأة الحمل الثقيل الذي فرضته الأزمة وتحصل من خلال ذلك على هامش ربح بسيط يغطي نفقاتها الأساسية.

إقبال خجول

بالرغم من سعي الحكومة والقطاع الاقتصادي الحثيث إلى ضبط الأسواق وتعزيز دورها الإيجابي باتجاه مراقبة الأسعار وجعلها ضمن حدودها المقبولة والتحكم بالأسعار وضبطها إلاّ أن الحديث هو نفسه يتمحور حول وجود ضعاف النفوس من التجار والبائعين، واحتكار السلع وزيادة المواد التي تشهد إقبالاً كبيراً، فمن خلال التصريحات طمأنت مؤسسات التدخل الايجابي المستهلكين بالتدخل في السوق من خلال صالاتها ومنافذها المنتشرة بهدف تخفيف العبء على المستهلكين لجهة تأمين المواد والسلع وبأقل من السوق.

علي محمود (طالب) برّر عدم زيارته لهذه المؤسسات بالقول : يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر لم نلحظ أي تدخل ايجابي جدّي من قبل هذه الصالات والمنافذ المنتشرة ما جعل الأعباء تزيد والهموم تتزايد بعشوائية السوق المحلية وعدم تدخل مؤسسات التدخل الإيجابي، بدليل أن الكثير من العائلات لا تدخل لهذه المؤسسات وعائلتي من هذه العائلات، إذ إن أسعارها متقاربة جداً مع أسعار السوق والخمس ليرات أو حتى العشر ليرات لم تعد تشتري بسكويته كما يقال، إضافة إلى أن السلع داخل هذه الصالات كما سمعت من كثيرين ذات مواصفات أقل من مثيلاتها في السوق وبعضها شارف على انتهاء الصلاحية، وبرأيي الشخصي هناك أسباب أخرى ساهمت في جمود الصالات والمنافذ تتعلق بطريقة تعامل القائمين على عمليات البيع مع الزبون لذلك فإن البعض قد عزف عن الصالات.

رنا سليمان (ربة منزل) لا ترى أي تغييرات منذ ما قبل الأزمة وحتى تاريخه فيما يتعلق بعمل هذه المؤسسات أو الصالات، إذ تعمل وكأنه لا يوجد ظروف استثنائية بالقطر، فالخطط التي تعمل وفقاً لها هي خطط قديمة وفي ظل الظروف الحالية لا بد لهذه المؤسسات من معطيات جديدة تتمثل في التدخل الإيجابي الحقيقي لا أن تكون بمثابة دعاية للمؤسسة لتوجه المستهلكين للإقبال عليها، فالأسعار بشكل عام قريبة جداً من السوق والفارق بينهما بالليرات التي لم يعد لها قيمة، فغالبية السلع المطروحة في الصالات قليلة الجودة ونفسها تباع في الأسواق بالأسعار نفسها وفي بعض الأحيان تباع بأقل، لذلك لا بد لهذه المؤسسات أن تقدم الجودة وبأسعار مدروسة وحتماً يجب أن تكون أقل من السوق، فالتصريحات شيء والبيع عبر المنافذ والصالات شيء آخر، مع الإشارة الى ضرورة العمل طيلة اليوم وعدم إغلاق أبواب هذه الصالات مع نهاية الدوام الرسمي.

أخيراً

نأمل من خلال ما سبق أن تكون مؤسسات التدخل إيجابية بكل ما تعنيه الكلمة، وأن تحقق الجودة في السلعة مع السعر المنافس للمادة نفسها في السوق مع توفر السيولة المالية الكافية في ظل الظروف الحالية حتى تكون منافساً حقيقياً للسوق المحلية، وأن تتعامل بمرونة كافية كما في القطاع الخاص بالعمل التجاري لتحقيق الطموح العام وطموح المستهلك لتأمين ريعية اقتصادية وتوازن سعري اجتماعي .

العدد 1107 - 22/5/2024