السيد وزير التربية.. ظاهرة الدروس الخصوصية المرضيّة.. إلى متى ؟!

 إذا كانت مهمة تعليم الأجيال وتثقيفها وإعدادها هي مهمة تشترك فيها الأسرة والمدرسة والطالب نفسه، فإن المسؤولية الكبرى تقع بالدرجة الأولى على عاتق المدرّس، ولهذا فإن من الواجب على الدولة الاهتمام بهذا المدرّس وتأمين حياة كريمة له تقيه العوز والحاجة التي تدفعه لممارسة بعض المهن والحرف التي لا تليق به مربّياً للأجيال، إذ بتنا هذه الأيام نلاحظ انتشار هذه الظاهرة في أوساط المدرّسين بأعذار متعددة وحقائق لا يمكن للمرء الهروب منها!.

بعضهم يعمل في الزراعة، وبعضهم عامل تمديدات صحية، وبعضهم على بسطة خضار في كراجات الانطلاق، وبعضهم سائق سرفيس أو تكسي!. وآخرون وجدوا في الدروس الخصوصية مهرباً مما ذكرنا وباتوا ينتقلون من بيت إلى آخر سعياً وراء تحسين الحال- كما يدّعون! فهل هم بحاجة حقيقية إلى عمل آخر لأن رواتبهم لا تكفيهم؟ أم أن في القضية خفايا أخرى تتعلق بالنفس البشرية ؟!.وكيف ينظر الطلاب إلى مدرّسيهم في هذه الحالة؟ وكيف ينعكس ذلك على مكانة المدرس الاجتماعية؟!

الأستاذ (محمد . ع) أكّد أن السبب في انتشار الدروس الخصوصية يعود لعدة عوامل، منها سعي الأهل للحصول على تفوق أبنائهم لأن المعدلات قد ارتفعت ومن لا ينجح بعلامات عالية لا يمكنه الدخول إلى الجامعة بفرع تكون الدولة مسؤولة عنه لاحقاً، وبالتالي سهولة الحصول على وظيفة.. أضف إلى ذلك الاكتظاظ في القاعات!. هناك بعض القوانين التي صدرت وكانت سبباً في تهميش دور المدرّس، فالطالب الذي يأتي إلى المدرسة وفي جيبه جهازه الخليوي وعلبة التبغ وهو على يقين بأن المدرّس لا يستطيع معاقبته لن يلتزم بالانضباط في الصف، وبالتالي سيقوم بالتشويش على البقيّة..

الدروس الخصوصية أيضاً تنعكس على مكانة المدرّس خصوصاً في الحالات التي يقوم فيها المدرس بالزيارات المتكررة لمنزل الطالب مهما صغُر أو عظم شأنه أو شأن أهله. وعند سؤاله عن الحاجة إلى عمل آخر بعد الزيادات المتكررة للرواتب، أكد الأستاذ منذر بأنها لا تكفي لأن الأسعار قفزت بشكل جنوني ولم تدع لأحد فرصة الاستمتاع بهذه الزيادات في الرواتب.الأستاذ الذي يحافظ على كرامته – يضيف الأستاذ منذر- لا يذهب إلى بيوت طلابه أبداً.. هناك معادلة تتعلق بالمدرّس والطالب والمدرسة، فالمعلم يجب أن يذهب للمدرسة وهو مرتاح نفسياً ومادياً وجسدياً، وعلى الطالب أن ينظر دائماً إلى معلمه باحترام وإجلال وأن يضع نصب عينيه الطموح بالتفوق، وعلى الدولة أن تضع القوانين والأنظمة التي تحمي المدرّس وتجعله سيد الموقف في مدرسته!

الطالب علي محمود يستعد للعام الدراسي في الصف الثالث الثانوي يقول: لقد وجدت نفسي مضطراً لاتباع دورة في معهد خاص، إذ إن بعض المدرّسين كما أخبرني زملائي الذين سبقوني لا يقومون بواجبهم على أكمل وجه من حيث الإعطاء أثناء العام الدراسي، وبالتالي لا بد من استبدال الوقت المخصص للزيارات والرحلات أثناء العطلة الصيفية باتياع دورة تعليمية خاصة .. وعند سؤاله عن القائمين على العملية التربوية في المعهد أكد الطالب علي أنهم جميعاً ممن يدرّسون في مدارس حكومية .

الطالبة علا ابراهيم تحدثت عن الضغط الرهيب الذي تتعرض له أثناء العطلة الصيفية، فالمنهاج ضخم والقائمون على التعليم في المعهد الخاص لا همّ لهم سوى الشرح وقبض المزيد متناسين ان المنهاج قد خصصت له الفترة المناسبة الممتدة على مدار العام الدراسي، وأن ثلاثة أشهر غير كافية ليستوعب الطالب كل المعلومات .

الآنسة (غ . إبراهيم) تحدثت عن المزايدات في الأسعار، فالمدرّس الذي يسعّر الحصة الدرسية بأقل من 600 ليرة لكل طالب حتى ولو كان في الحصة الواحدة عشرة طلاب هو موضع اتهام بعدم الفهم وبضحالة معلوماته، ومن هنا تجد نفسها مضطرة لرفع التسعيرة كي تتماشى مع بقية المدرسين وكي لا تكون عرضة للنقد بالتقصير.

أمّا الأستاذ (محسن . م) فيرى أن أهم سبب من أسباب انتشار الدروس الخصوصية هو أن بعض المدرسين في صفوفهم لا يقومون بواجبهم كما يجب، والدروس الخصوصية لها أثرها السلبي أيضاً على احترام المدرّس ومكانته، فالطالب يقول لنفسه أنا أتحكّم بالمدرّس وأستقدمه إلى منزلي متى أشاء، فالمدرّس ساهم في تشويه صورته تحت أثر العامل المادي. و

ما دمنا نتحدث عن الحاجة إلى الدروس الخصوصية فيجب أن ننبّه إلى تثبيت المعلمين الوكلاء وعدم قدرتهم على مواكبة تطوّر المناهج انعكس سلباً على العملية التدريسية!. المدرّس الذي يحترم نفسه يخرج من صفه وقد أفرغ كل ما في جعبته من معلومات لطلابه.. شئنا أم أبينا فالعمل الآخر يؤثر على عطاء المعلم وهو في الحالة العادية لا يستطيع أن يعطي أكثر من ثلاث ساعات يومياً..

مديريات التربية لا تقوم بواجبها في الحد من انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، بل على العكس تلعب دوراً مشجعاً وطبعاً تصل للموجه الاختصاصي المسؤول في التربية حصته المادية!.الفساد منتشر في مديريات التربية بشكل فاضح ومكشوف، فهناك مدرسون لا تبعد مدارسهم عنهم أكثر من كيلو متر واحد، وهناك في القرية نفسها والاختصاص نفسه وسنة التخرّج نفسها مدرسون يبعدون عن مدارسهم عشرات الكيلو مترات، فكيف تفسر لي ذلك؟!. ولو شاء أحدهم الاحتجاج على كلامي فلينظر إلى العاملين في التربية وليسألهم من أين لك هذا!!.

من وجهة نظر الآنسة (يسرى.ا) الشخصية فإن العمل الذي لا يؤثر على سمعة المدرّس ومكانته هو التعليم، سواء أكان في معهد أو في البيت وأقصد هنا الدروس الخصوصية.. وما دمت أتحدّث عن الدروس الخصوصية فإن انتشارها يعود إلى عدة عوامل منها كثافة المعلومات وسعي الأهل لتحسين مستوى معيشتهم والخوف من المعدلات التي باتت تشكل الهمّ الأكبر للأهل، وهناك من يجد فيها موضة!!.أتمنى صدور قرارات حاسمة وهامة تعيد للمدرّس هيبته ومكانته التي تربينا عليها أيام مدرب الفتوة لأن المدارس باتت مركزاً من مراكز ضياع الوقت وضياع الأجيال!.

ما سمعناه من بعض الأهالي وفضلنا عدم نشره يصب في خانة تحوّل بعض المدرسين إلى تجار، تماماً، فلا حدود لجشع بعض المدرّسين ولا قناعة لديهم، والأنكى من كل هذا هو احترام ال 60 دقيقة لدى بعض المدرسين، فهم لا يقدمون للطالب أي معلومة بعد انتهاء الساعة إلاّ بثمنها! فيما يتساءل آخرون عن الرقابة والقوانين التي تجعل من بعض المدرسين تجار أزمات، ويجري استثمار موضوع الشهادة الثانوية التي يصل ثمن الحصة الواحدة فيها لدى بعض مدرّسي الرياضيات والفيزياء والعربي إلى أكثر من 1000 ليرة سورية .

أخيراً: ما سمعناه من أعذار وحقائق لا يبرّر لبعض العاملين في الحقل التعليمي التحوّل إلى تجار مما يسيء لشخصيتهم في نظر بعض طلابهم وفي نظر المجتمع حتى ولو كانت الحاجة هي السبب في ذلك.. وعلى الدولة أن تضع القوانين الصارمة والحازمة للقضاء على هذه الظاهرة المرضية تحت طائلة حرمان المدرّس من التعليم في المدارس العامة، إضافة إلى القضاء على الفوضى في المدارس والعودة بالعملية التعليمية إلى تلك الأيام التي كان الطالب يحترم معلمه الذي يقدّم له كل المعلومات أثناء الحصة الدراسية وأثناء العام الدراسي كاحترامه لوالده حفاظاً على البقيّة الباقية من الأخلاق وسعياً لتحصين أجيال المستقبل ضد كل الأخطار التي لا سبيل لمحاربتها والتغلب عليها إلاّ بالعلم.. وبالعلم فقط!!

العدد 1105 - 01/5/2024