كي لا ننسى…عبد الرحمن محفّل…مناضل وهب حياته من أجل سورية أكثر إنسانية وأكثر حرية

 في حلب، في عام 1931 يولد الشيوعي عبد الرحمن كامل محفل، من أسرة ميسورة، وفي وقت كان ليل الاحتلال الفرنسي لايزال يخيّم على البلاد، وكانت لاتزال باقية آثار المقاومة السورية لهذا الاحتلال، التي أشعلها في أرياف حلب وإدلب الوطني السوري الكبير إبراهيم هنانو.كان الشارع السوري يعجّ بالتيارات السياسية، والنقاشات الواسعة والمصطخبة التي كانت تتركز حول السبل التي يجب اتباعها للخلاص من هذا الاستعمار البغيض.

في هذه الأجواء كان ينمو ويشبّ عبد الرحمن محفل، ولم تكن لهذه الأجواء الوطنية السائدة في سورية إلا أن تمارس تأثيرها على هذا الشاب الذي صار يعي أكثر فأكثر الأسباب العميقة للظلم والتخلف والفقر التي كان يتلمسها بأم عينه أينما سار.

لقد نشأ وترعرع في صفوف الحركة الوطنية الطلابية، كان مفعماً بالحيوية، ولم يتخلف قطّ عن أية فعالية وطنية كانت تقدم عليها الحركة الطلابية آنذاك، التي كان للمنظمة الطلابية الشيوعية فيها دور نشط وطليعي. وفي سياق هذا النشاط الطلابي المحترم، يبرز الدور القيادي لهذا الشاب، الذي بدأ يقترب أكثر فأكثر من أفكار الحزب، ويصبح صديقاً له، وقد ساعده في ذلك أيضاً وسطه العائلي المتأثر بهذه الأفكار. ساهم في عام 1950 في مظاهرة أول أيار، واعتُقل.. وفي منتصف ذلك العام ينتسب إلى صفوف الحزب.

في عام 1951 يساهم الشاب عبد الرحمن باندفاع في حركة السلم، ويلبي دعوة الحزب الهادفة للتوقيع على نداء استوكهولم ضد الحرب ومن أجل السلام العالمي، ويستطيع أن يجمع وحده آلاف التواقيع، بحيث صاروا يطلقون عليه بطل السلام.

ويعتقل في العام نفسه، بسبب مشاركته في مهرجان السلم الذي نظم في حلب بدعوة من الحزب، واعتقل مرة ثانية في تشرين الثاني من العام نفسه أثناء اشتراكه في مظاهرة دمشق ضد مشروع الدفاع المشترك وحكومة حسن الحكيم، بعد أن أصيب برصاص الشرطة، وقد سُجن في سجن المزة إبان حكم الشيشكلي 6 أشهر نتيجة نشاطه الواسع في الحزب.

ونتيجة كل هذا العمل الجماهيري الدؤوب، وهذا النضال المتفاني من أجل مصلحة كادحي حلب وسورية، ينتخب هذا المناضل الشاب عضواً في لجنة حلب المنطقية، ويصبح قيادياً بارزاً فيها.. بيد أن حياة هذا الشيوعي الذي وهب حياته دفاعاً  عن مصالح شغيلة بلاده، وهو ابن العائلة التربة، لم يكتب لها أن تستمر طويلاً.

في عام 1955 ونتيجة إصابته، وجهوده التي لم تكن لتكلّ، ونتيجة المرض الذي أثقل عليه يتوقف قلب هذا المناضل الشاب عن الخفقان.. ويودعه رفاقه وأصدقاؤه، والمئات من أبناء حلب من مختلف الاتجاهات السياسية والأحياء إلى مثواه الأخير، تاركاً لديهم ذكرى لا تنسى.

كانت حياة هذا المناضل قصيرة كقصيدة جميلة، بيد أنها غنيّة، وكان قلبه مفعماً يحلم بسورية، مزدهرة، أكثر حرية، وأكثر إنسانية.

العدد 1107 - 22/5/2024