الفنان التشكيلي الراحل الرفيق نذير إسماعيل.. السلام لروحك

 لم أكن أعرف الفنان الراحل نذير إسماعيل إلا من خلال نتاجه الفني وما كتبت عنه الصحافة والمراجع الفنية، إلى أن التقيت به شخصياً في هيشون آرت في اللاذقية أثناء معرض زوجته الفنانة عناية البخاري عام 2013 وقد بدا من السلام واللطف والتواضع بمكان حتى أنه لا يشعرك وأنت جالس معه بأنك أمام قامة من رواد التشكيل السوري ومن الذين بنوا صرحهم التشكيلي بقوة الإرادة والعزيمة والتصميم المقترنة بالموهبة وما تركته في الذاكرة من صور، طفولة نشأت بين خطوط الألوان المعلقة على جدران حي الميدان الدمشقي العتيق.

يؤكد الناقد سعد القاسم في تصريح لوكالة سانا أن خيوط البسط الملونة في المشغل المجاور لمنزل عائلة نذير إسماعيل في حي الميدان هي الصور الأولى التي بنت ذائقته الفنية وحفزت روح الإبداع الكامنة في أعماقه التي تطورت عندما أخذ يتابع باهتمام أعمال الفنان الفطري أبي صبحي التيناوي، لكن نقطة الانطلاق المفصلية حسب تعبير الكاتب في تجربة نذير إسماعيل كانت ملاحظات الفنان المعلم فاتح المدرس التي شكلت ما يشبه المنهاج التدريسي الذي أطلق موهبته في مجالات التجريب الرحبة سواء على مستوى بناء اللوحة أو على مستوى البحث التقني.

لقد عمل نذير إسماعيل وفق تلك الملاحظات لعشرة أعوام متواصلة يرسم بالأبيض والأسود حتى قدم معرضه الفردي الأول عام ،1969 ثم راحت تتوالى معارضه فبلغت 62 معرضاً داخل سورية وخارجها: (مصر، دبي، الشارقة، الدوحة، باريس، جنيف ) فضلاً عن مشاركاته الدائمة في المعارض الجماعية المحلية والعربية والدولية، وتوّجت تجربته بعدة جوائز مثل الجائزة الثالثة للفنانين الشباب في دمشق عام 1971 وجائزة انترغرافيك في برلين عام 1980 والجائزة الثالثة لبينالي الشارقة 1996.

تجربة الفنان الراحل نذير إسماعيل متنوعة المواضيع والأساليب غير أن الأهم والأكثر استقراراً ونضجاً إبداعياً فيها موضوع الوجوه التي قدمها كحالة تعبيرية وصفها هو في تصريح لسانا بأنها آمال وآلام الناس التي تشبهه وبأنها شهادته على الزمن الذي يعيش فيه، ونلاحظ ازدحاماً للوجوه في لوحة واحدة أحياناً يقابلها انفراج وعزلة في لوحة أخرى، لكن مسحة من البساطة والعفوية تمر كخيط شفاف يربط الأعمال بعضها ببعض ويشكل هوية الفنان الجوهرية وأسلوبه المتفرد وخطابه التشكيلي. وتظهر تلك الوجوه الممسوحة المعالم والمجردة وكأنها بطيئة الحركة، ناعسة وحالمة ومأساوية وإن كانت مكررة غالباً كما قد يظن المشاهد للوهلة الأولى لكن تأمل تفصيلاتها يدل على تنوع الحالة التعبيرية داخل عناصر اللوحة، كما يدل على قدرة التحكم في إدارة العمل. ويدل أيضاً على ما اعتبره الناقد أديب مخزوم في دراسته عن الفنان الراحل ضمن موسوعة تيارات الحداثة في التشكيل السوري طريقة تطوير الأسلوب ووسيلة البحث عن رحابة التجربة ومرونتها وقدرتها على منح الأشكال والموضوعات إيقاعات متجددة، وقد تناولت الدراسة المذكورة الجوانب التقنية في إنتاج لوحة الفنان نذير إسماعيل، كاستخدامه للكولاج وتقنية حرق طبقة اللون واستخدام المواد المختلفة في اللوحة الواحدة.

ويؤكد ذلك التنوع الناقد غازي عانا معتبراً خصوصية الفنان الراحل نتيجة طبيعية للمسار التجريبي، وقال: إن ما يميز تجربته ثراؤها التقني في آن وإخلاصها من جهة ثانية لموضوع البورتريه الذي بقي يسعى باجتهاد في كل محاولة رسمه لاكتشاف تفاصيل ومعالم تعبير جديدة ومختلفة.

أعمال الفنان نذير إسماعيل مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية والمتحف الوطني بدمشق ومتحف دمر والمتحف الملكي بعمان – الأردن وقصر الشعب – سورية والمتحف الوطني – قطر، والعديد من المجموعات الخاصة في كثير من دول العالم.

غادرنا الفنان نذير إسماعيل عن عمر 68 عاماً كانت خمسون منها على الأقل تضجّ بالعطاء الفني المتواصل، وكان عضواً في الحزب الشيوعي السوري، وترك إرثاً غنياً للحركة التشكيلية السورية وفراغاً عميقاً لفقده في قلوب محبيه، وقد كتبت زوجته الفنانة عناية البخاري في صفحتها على موقع فيسبوك: (لوّن حيانتا بالمحبة والحكمة)!

الفنان التشكيلي السوري نذير إسماعيل.. السلام لروحك.

العدد 1107 - 22/5/2024