هل تُشعل حلب نيران حرب باردة؟

انهارت الآمال في سورية بقرب استئناف المسار السياسي لحل الأزمة السورية مع تراجع الولايات المتحدة عن تنفيذ اتفاق الهدنة الأخير الذي اتفق عليه بين الطرفين الأمريكي والروسي.. ومن المرجح أن تكون الأشهر المقبلة أكثر دموية منذ بدء الحرب على سورية، هذا هو السيناريو الذي يرجحه مراقبون كثر، الأمر الذي يطيل الأزمة لسنوات أخرى قادمة حسب توقعات عديدة.

ثمة سيناريو آخر يتلخص بإمكانية استئناف التفاوض الروسي- الأمريكي للوصول إلى اتفاق جديد للتهدئة، وكان من الواضح أن ثمة مراكز قوى مؤثرة في واشنطن اعتبرت أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد قدم تنازلات لنظيرة الروسي سيرغي لافروف، فقامت باتخاذ خطوات لعرقلة تنفيذ الاتفاق وللإطاحة به.. وهنا تحضر إلى الأذهان الغارات الأمريكية على مواقع عسكرية سورية في دير الزور، والتي اتضح أنها ضربة في الصميم لاتفاق (لافروف- كيري) من قبل البنتاغون والسي آي إيه ودوائر مؤيدة لهم.

وهناك دلائل على أن أي اتفاق جديد حول سورية ستقرره وقائع الميدان بعد أن رفضت الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة للمجموعات الإرهابية اتفاق 9 أيلول.. ولكن من الواضح أن روسيا التي كانت تضغط على سورية وحلفائها للالتزام بالتفاهمات والهدنات، وصلت إلى قناعة تامة بضرورة المضي في الخيار العسكري الصارم، لأن من يقف وراء المجموعات الإرهابية ويمولها، لا يريد التوصل إلى حل سلمي، وقد ترجمت روسيا هذه القناعة بتوجهات ملموسة عبر مشاركة سلاحها الجوي والصاروخي في هجمات الجيش السوري على شرق وشمال حلب وفي حماة وغيرها.

مقابل ذلك، عملت واشنطن وحلفاؤها على محورين اثنين، أولهما مضاعفة الدعم والإسناد للمجموعات الإرهابية عبر البوابة التركية، والثاني عن طريق شن حملة شعواء على موسكو في الإعلام والمحافل الدولية وفي مجلس الأمن، لدرجة اتهامها بـ(البربرية) والتهديد بتحويلها وحلفائها إلى محكمة جرائم الحرب.

إنها حرب باردة تشتعل من جديد، ومن المرجح أن يشتد سعير الاشتباكات السياسية والدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة، وخاصة في ظل ما يحققه الجيش السوري وحلفاؤه من مكاسب واختراقات نوعية على جبهات حلب وجوارها، وتصميم هذا الجيش على استعادة حلب كلها من أيدي الإرهابيين.

إذاً.. من الواضح أن الأمور في حلب وغيرها تتجه نحو مواجهة شاملة ومفتوحة، حتى أن فرص الاستمرار في إدارة (حروب بالوكالة) كما فعلت وتفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها، تتقلص ويحضر اللاعبون الكبار بأنفسهم على الأرض، كما أن فرص الاشتباك المباشر باتت أعلى من أي وقت مضى، حتى وإن قيل بأنه حصل عن طريق الخطأ غير المقصود، ويجري الاعتذار عنه في وقت لاحق، كما حصل عندما قصفت الطائرات الأمريكية والبريطانية والأسترالية مواقع للجيش السوري في دير الزور (حيث لاحقاً قدمت واشنطن للقيادة السورية اعتذاراً بشكل غير مباشر) عما جرى.

ولكن ومع فداحة الأخطار المحتملة لمواجهات شاملة بدل حروب الوكالة، من الملاحظ أن (شعرة معاوية) لم تُقطع بين روسيا وأمريكا، الأمر الذي يبقي جذوة الأمل متقدة.. أيضاً موسكو لم تنع الاتفاق بعد، بل مازالت تمد اليد لواشنطن لتنفيذ الاتفاق، وإعادة إنتاجه باعتباره يشكل أملاً للسوريين في التخلص من هذه الحرب.

ولكن يجب أن نأخذ بالحسبان أن ما يسمى بالمعارضة السورية وداعموها في الغرب والمنطقة يسعون لإطالة أمد الحرب على سورية، بانتظار مجيء هيلاري كلينتون، أملاً في أن تقدم دعماً أكبر للإرهابيين على الأرض، ليحققوا ما يحلمون به، ولكن بالمقابل يتضح أن الجيش السوري والقوى المؤازرة له هم أكثر تصميماً بدعم الأشقاء المقاومين في لبنان والأصدقاء وفي مقدمتهم روسيا وإيران، على تحرير حلب وباقي الأراضي التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين.

العدد 1105 - 01/5/2024