التطورات الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمة (2)

محاضرة للرفيق فؤاد اللحام

3- تدمير وتخريب حجم هائل من البنى التحتية والمرافق العامة من شبكات الكهرباء والماء والطرق والسكك الحديدية والمشافي والمدارس، ما أدّى إلى تراجع كبير في الخدمات العامة كمّاً ونوعاً، بسبب عدم توفير الحماية اللازمة وخاصة للأساسية والاستراتيجية منها، مع صعوبة تأمين البدائل عنها ومستلزمات إصلاحها وارتفاع تكاليفها بسبب الحصار والمقاطعة. وحسب آخر الاحصاءات بلغت قيمة الأضرار في القطاع الصناعي العام والخاص أكثر من 1,3 تريليون ليرة سورية حسب القيمة الدفترية لهذه الأضرار. كما بلغ إجمالي أضرار وزارة الكهرباء خلال سنوات الأزمة نحو830 مليار ليرة سورية وخسائر قطاع النفط حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري نحو 62 مليار دولار. وحسب تصريح وزير الأشغال مؤخراً هناك حاجة لبناء حوالي 500 ألف وحدة سكنية.

4- بروز صعوبات كبيرة في الاستيراد والتصدير تشمل عمليات التمويل والتأمين ونقل البضائع من سورية وإليها بسبب المقاطعة واغلاق المراكز الحدودية مع الأردن والعراق وتركيا، وارتفاع تكاليف المنتجات والخدمات المطلوبة، وبالتالي شحّها وارتفاع أسعارها.اضافة إلى توقّف معظم النشاط الاستثماري الخاص وكذلك العام في المشاريع قيد التنفيذ والمشاريع الجديدة وخاصة في المناطق الخطرة.إضافة إلى وقف مشاريع التعاون العلمي والفني والاقتصادي مع العديد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.

5- استنزاف جزء هام من احتياطي القطع الأجنبي لسدّ احتياجات البلاد من الواردات، ما أدّى إلى حصول تدهور كبير في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الذي وصل سعره حالياً إلى أكثر من عشرة أضعاف ما كان عليه قبل الأزمة، كما ساهمت بعض العوامل الداخلية والنفسية في انخفاض قيمة الليرة السورية منها الأوضاع الأمنية والعسكرية،وتهريب القطع الأجنبي، وتحويل المهاجرين قيمة ممتلكاتهم التي قاموا ببيعها بالقطع الأجنبي إلى الدول التي لجؤوا إليها،وحالة تحوّط المواطنين ورغبتهم في الحفاظ على القيمة الحقيقية لمدّخراتهم.

كما ساهمت السياسة التي اتبعتها الحكومة منذ بداية الأزمة، والتي اتسمت بالارتجال وردود الفعل والتهاون مع مراكز الفساد والاستغلال التي مثّلتها شركات الصرافة دوراً كبيراً في تراجع قيمة العملة الوطنية. وكان الحزب في مقدمة الجهات التي طالبت منذ البداية بحصر بيع القطع الأجنبي بالمصارف العامة والخاصة المرخصة رسميا ومنع شركات ومكاتب الصرافة من ممارسة هذا الدور، إلا أن الجهات المعنية لم تستجب لهذا الطلب الا مؤخراً. كما أنه لابد من الإشارة إلى عوامل أخرى ساهمت إلى هذا الحد أو ذاك في عدم تردّي قيمة الليرة السورية بشكل أكبر وهي الخطوط الائتمانية مع ايران ومساعدات الأصدقاء، والتحويلات الخارجية الأخرى بالقطع الأجنبي إلى الداخل السوري..

6- نزوح داخلي وخارجي كبير يقدر بحوالي نصف سكان سورية، نتيجة تدمير المنازل والهرب من الحصار أو الخوف من ممارسات العصابات التكفيرية المسلحة بالتطهير المذهبي أو العرقي واستخدام السكان دروعاً بشرية وفرض الأفكار والممارسات التكفيرية عليهم، الأمر الذي أدّى إلى خسائر كبيرة لهؤلاء النازحين في أرزاقهم وبيوتهم ومحتوياتها، إضافة إلى الضغوط الكبيرة على القرى والمدن التي لجؤوا إليها وتكدّسهم في أماكن مكتظّة.

وقد أدّت حالة النزوح الواسعة إلى ضغوط مالية وتنظيمية على الجهات العامة المعنية، من أجل تأمين ما يمكن من حاجات هؤلاء المهجرين من سكن وغذاء وتعليم وخدمات. كما أدّت أيضاً إلى ارتفاع أجور السكن وزيادة الضغط على خدمات النقل والتعليم والصحة، وخاصة ما يتعلق بانتشار الأمراض وعودة عدد منها مما سبق القضاء عليها مثل السل وشلل الأطفال والليشمانيا.

7- هجرة أعداد واسعة من المستثمرين والرساميل والكفاءات العلمية والفنية حيث يقدر حجم الأموال والاستثمارات التي خرجت من سورية لغاية عام ،2015 حسب بعض المنظمات الدولية بنحو 22 مليار دولار توجهت إلى تركيا ولبنان ومصر والأردن والعراق والخليج العربي. حيث احتل المستثمرون السوريون المراتب الأولى بين المستثمرين الأجانب في العديد من الدول العربية والأجنبية ( مصر، الأردن، تركيا….). وتبين إحصاءات بداية عام ،2016 أن رجال أعمال وصناعيين سوريين، أدخلوا إلى تركيا عشرة مليارات دولار منذ بداية ،2011 وأنشأوا حوالي 4000 شركة سورية مرخصة، رأس المال المدفوع لها 22 مليون دولار، فيما تقدر أعداد العمال غير المسجلين في تركيا بحوالي 400 ألف عامل.

كما تستمر ظاهرة الهجرة إلى الدول الأخرى وخاصة من الشباب والكفاءات حيث تشير آخر التقديرات إلى هجرة حوالي ثلث الأطباء المسجلين في وزارة الصحة منهم قرابة 1100 طبيب واخصائي سوري في ألمانيا لوحدها. كما بلغ عدد الأطباء الأسنان الذين غادروا البلاد 8 آلاف طبيب من أصل أكثر من 20 ألفاً، في الوقت الذي يقدر فيه عدد قوة العمل المهاجرة بما يزيد عن المليون عامل معظهم من الاختصاصيين والفنيين والمهنيين.

8- ارتفاع نسبة البطالة والفقر بمختلف اشكاله وتشير التقارير إلى تجاوز البطالة في أدنى التقديرات نسبة 57,7% وارتفاع عدد العاطلين عن العمل في نهاية عام 2015 الى نحو2,91 مليون شخص، منهم 2,7 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، مما يعني فقدان مصدر رئيسي للدخل في معيشة 13,8 مليون شخص. كما تشيرآخر التقـارير عن سورية إلى أن 85,2% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر العالمي ونحو 68,3% من السـوريين يعيشون في فقر شديد لايستطيعون فيه تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، في الوقت الذي بات فيه حوالي 35% من السكان يعيشون في حالة الفقر المدقع أي أنهم لايستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية. ويتفاوت مستوى الفقر بين المحافظات ويزداد الوضع سوءاً في مناطق النزاع والمناطق المحاصرة.

9- تراجع كبير في مستوى معيشة المواطنين، بسبب البطالة والنزوح والحصار وقطع الطرقات وإغلاق المعابر وانخفاض القدرة الشرائية للرواتب والأجور وارتفاع الأسعارمن 8 إلى 12 ضعفاً نتيجة تراجع الإنتاج وقلة توفر المواد الأساسية وانخفاض قيمة الليرة السورية وجشع المستغلين وضعف الإجراءات الحكومية المتخذة في هذا المجال وتأخّرها، سواء في التدخل الفاعل لمؤسسات التجارة الداخلية والخارجية، أو في قمع المستغلين والمحتكرين والفاسدين الكبار الذين لم يوفروا حتى المعونات والمساعدات الإنسانية من فسادهم وجشعهم.

10- انحسار كبير للطبقة الوسطى التي تتكون من الموظفين والأطباء والمهندسين والمثقفين والمعلمين والأدباء والحرفيين وصغار التجار والصناعيين والتي تعتبر محرك النشاط الاستثماري والثقافي في المجتمع. وتشير احدى الدراسات إلى أن هذه الطبقة كانت تشكل أكثر من 60% من المجتمع السوري قبل الأزمة عام 2011 وأصبحت الآن تشكل نحو 9,4% فقط بسبب خسارة سوريا مئات الآلاف من أبناء هذه الطبقة نتيجة هجرتهم مع أموالهم إلى تركيا ومصر وأوروبا أو بسبب خسارة بعضهم لممتلكاته ومصانعه في مناطق القتال.

كما أدت الأزمة إلى نشوء طبقة جديدة من أغنياء الحرب تضم تجار المخدرات والسلاح والبشر والمحتكرين والمستغلين، وهذه الطبقة من أخطر ما يواجه سوريا في هذه المرحلة وفي المرحلة القادمة.

11- تضرر أصحاب الدخل الثابت، من العمال والموظفين والمتقاعدين، بسبب تراجع القدرة الشرائية لرواتبهم والغلاء الفاحش المستمر. وبشكل خاص عمال القطاع الخاص الذين خسروا عملهم نتيجة تدمير المنشآت الصناعية والخدمية التي يعملون فيها أو بسبب هجرة أصحابها، ومن لم يفقد عمله فقد اضطرّ إلى القبول بجزء من راتبه لضمان استمراره بالعمل، ومن لم تتح له هذه الإمكانية انضمّ إلى جيش العاطلين المتزايد أو إلى أعداد المهاجرين المتزايدة باستمرار إلى البلدان المجاورة وغيرها بحثاً عن مورد رزق آمن.

أما عمال القطاع العام، وعلى الرغم من استمرار الدولة بتسديد رواتبهم بشكل مستمر بمن فيهم العاملون في المعامل والجهات العامة التي تضررت وخرجت عن العمل كلياً أو جزئياً أو الموجودة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، إلا أنهم خسروا حوافزهم الإنتاجية وغيرها من المزايا التي كانوا يحصلون عليها في الظروف العادية.

12- معاناة الفلاحين والمزارعين من آثار هذه الأزمة بدءاً من صعوبة الوصول إلى أراضيهم والعناية بها وارتفاع تكاليف البذار والسماد والأدوية والمحروقات مروراً بصعوبة جني محاصيلهم ونقلها وتسويقها، سواء بسبب الحصار أو/ وبسبب ارتفاع تكاليف النقل، وصولاً إلى خسارة الأشجار في حقولهم ومزارعهم بسبب عدم العناية بها وقطعها يابسة أو حية لأهداف قتالية أو لاستخدامها حطباً.

كما عانى مربّو المواشي والدواجن من فقدان قطعانهم كلياً أو جزئياً، بسبب المجابهات العسكرية والأمراض، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف والمبيدات والأدوية البيطرية وصعوبة النقل والتسويق للأسباب المذكورة سابقاً واستمرار تهريب الأغنام العواس والماعز الشامي إلى الدول الأخرى.

13- ازدياد معاناة الشباب الاقتصادية والاجتماعية، فإضافة إلى معاناتهم العامة من الأزمة ونتائجها، كانت لهم معاناتهم الخاصة أيضاً، فدعوتهم ورغبتهم السلمية بالإصلاح والتغيير قد جرى سرقتها وتحويلها إلى صراع مسلح دامٍ فرض عليهم المزيد من البطالة والفقر وأجبرهم على النزوح والهجرة الخطرة إلى مختلف أصقاع الأرض، والوقوع في براثن عصابات التهريب الدولية التي استغلت حاجتهم وأدّت إلى خسارتهم مواردهم القليلة، بل وحياتهم وحريتهم في كثير من الأحيان.

كما أدّى اضطراب العملية التربوية والتعليمية في مختلف المراحل الدراسية إلى تدنّي مستوى التحاق الشباب بالمدارس والجامعات، ويترافق ذلك مع تدني مستوى التحصيل العلمي ونوعيته، ما يعني ضعف تأهيلهم وكفاءتهم، وبالتالي محدودية فرصتهم في الحصول على العمل المناسب خارج سورية وداخلها.

وتزداد الأمور سوءاً بالنسبة للخريجين الجدد الذين سُدّت في وجوههم فرص العمل في القطاع العام والقطاع الخاص ما يضطرهم أيضاً إلى مغادرة البلاد للجوء والعمل. لقد أدّت هجرة الشباب الواسعة خارج البلاد إلى إفراغها من صنّاع مستقبلها وضمان استمرار وجودها وتقدمها، الأمر الذي بات يفسر بوضوح أسباب ترحيب العديد من البلدان الأجنبية بهجرة هؤلاء الشباب، وتسهيلها لهم، وخاصة لذوي الكفاءات منهم.

العدد 1105 - 01/5/2024