من هم المتضررون من ترامب؟!

إن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية مليء باغتيالات رؤسائها، مرات بالاغتيال الفعلي كما حصل لأربعة رؤساء، ومرات بالاغتيال المعنوي كما حصل مع كثيرين مثل نيكسون وكلينتون.

الرؤساء الأربعة الذين قتلوا هم الذين أحدثوا تطورات انقلابية، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية استفزت المتضررين منها، ومؤخراً صرح ضابط كبير في المخابرات روبرت ستيل بما يلي: (إن القوى المتضررة من انتخاب ترامب وعلى رأسها قادة الحزب الجمهوري، سيفعلون كل ما في وسعهم لعرقلة سياسته والتحكم بتعييناته وتحديد الجهات التي تحيط به)، لكنه لم يشر إلى أنهم سيغتالونه، وبالتالي فإن الاحتمال الأرجح أن الحديث عن الاغتيال مجرد تهديد ووسيلة ضغط لتحقيق هذا التحكم بترامب.

والسؤال المهم من هي هذه القوى المتضررة؟ وماذا عن اللوبيات التي تنتمي إليها، ومن يتزعمها، شخصيات من الحزب الجمهوري فقط أم منها شخصيات من الديمقراطيين منهم هيلاري كلينتون، الأمر الذي يجيب عن سؤال حول كيفية سقوط الحدود بين جمهوري وديمقراطي في مواجهة ترامب.

في خطاب الاستقالة قال الرئيس نيكسون: إذا ما استمر اللوبي الصناعي العسكري في تناميه، فإنه سيهدد الديمقراطية الأمريكية)، وكأن الرجل الذي وصفه الخبير الجيوبوليتيك جاك بارا بأنه من أكبر رؤساء الولايات المتحدة، يؤشر إلى الجهة التي شنت عليه المعركة وانتصرت فيها بفضيحة التجسس التي هزت سلطته، ثم ظهرت فضيحة بيل كلينتون مع موظفة البيت الأبيض لوينسكي، والتي سببها الرئيسي بعض المواقف السياسية وقضية البنوك السويسرية والتعويضات اليهودية. أما في أمثلة الاغتيالات الدموية الفعلية، فقد قيل وكتب الكثير عن صراع الرئيس كنيدي مع اللوبي الصناعي العسكري وعن صراعات مافياوية أخرى.

والآن نعود للسؤال الجوهري من هو المتضرر من انتخاب ترامب؟ هل هو اللوبي الصناعي العسكري ومعه لوبي النفط واللوبي اليهودي، أم الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي، أم الشركات المتعددة الجنسيات المروية بصلصة أمريكية، أم رجال السياسة، أم تجمعات المهاجرين واليسار وغيرهم؟!

الحقيقة أن ترامب وصل إلى البيت الأبيض في مواجهة كل هؤلاء المرتهنين للوبي الصناعي العسكري، وليس في مواجهة هيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي.

غير أن ترامب هو أحد أرباب اللوبي الرأسمالي، لكنه له رؤية لسياسات اقتصادية لا تصب في مصلحة الكثير من أصحاب المليارات، وفي مقدمتها السياسات الرأسمالية الحمائية التي تشكل نعياً للعولمة التي أرسيت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.

الحمائية لا تصب في مصلحة الشركات المتعددة الجنسيات، فهي ستحرمها من استغلال الأيدي العاملة الرخيصة المعدومة التأمينات، كما أن اتجاه ترامب لتحقيق انفراج دولي يضر بحجم أرباحها واستثماراتها، خاصة أن جماعة العولمة اتكأت على الانتشار العسكري الأمريكي في العالم لحماية مصالح هذه الشركات، وعلى تأزيم الوضع الدولي لتأمين بيع صفات السلاح. ومن هنا فإن أجواء الانفراج والتخفيف من الدور الوظيفي التسويقي للجيش من خلال عزم ترامب على إعادة بناء البنية التحتية له، يضران بأرباح الشركات المذكورة، هذا مع العلم بأن ترامب لن يعفي الدول التي تحميها أمريكا من الدفع لقاء ذلك، كما صرح أثناء حملته الانتخابية وبعدها.

ولا يخرج عن هذا السياق صراع ترامب مع المؤسسة الأمنية التي وقف بعضها بشدة ضد ترشيحه وانتخابه.. كل هذا يفسر وقوف أقطاب المرحلة السابقة من بوش الأب والابن إلى جميع رجالهما في صف هيلاري كلينتون.

أما اللوبي الأشد خطورة فهو اللوبي اليهودي الذي يمد جسوره في جميع اللوبيات الأخرى، ويتقن توزيع جماعاته هنا وهناك، ليكون هو الرابح الأكبر، كما أنه يتقن عمليات الهجوم كوسيلة ضغط أو وسيلة تأييد وتشجيع وإغراء.

يبقى المهاجرون وبخاصة منهم العرب والمسلمون الذين تصرفوا حسب مصادر أمريكية مطلعة (بعقلة جاهلية)، عقلية تستفز إعلامياً، ولو بنبأ مجتزأ، كي تخرج من عقال عقلها إلى ضجيج صراخه.. هؤلاء العرب والمسلمون أصيبوا بالهيتسريا، لأن ترامب صرح مجرد تصريح بأنه ضد الهجرة، من دون أن يسألوا أنفسهم يوماً: لماذا يريدون مسؤولاً غربياً يشجع استنزاف خيرة شبابهم من خلال دعمه للهجرة؟ ولماذا يريد هؤلاء تحويل المواطن العربي إلى متسول انتهازي ذليل؟ وما هي السياسات التي تجعله على هذا النحو المذل؟ لماذا لا يطالب العرب والمسلمون بتعويضات مالية عن غزو العراق مثلاً، أو عن الدعم اللامتناهي لإسرائيل من جهة ثانية، حتى ولو كانت هذه المطالبة مجرد ضغط إعلامي ومعنوي؟

يبدو من خلال ذلك أن العرب والمسلمين يتقنون فن الصراخ بالكراهية، ولكنهم لا يعرفون كيف يبرمجون الصراخ بالمظالم التي عانوا ويعانون منها حتى الآن؟

والأرجح أن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ومن يسير في ركابها ويلتف حولها تحت مسميات مختلفة، هو وراء تحريك هذه الحملة التي تستبق وعود ترمب التي أطلقها حول نيته إدراج تنظيم الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب الدولي.

إضافة إلى ذلك، هل يجوز للعرب والمسلمين تأييد هيلاري كلينتون ودعمها للوصول إلى البيت الأبيض وهي التي أوجدت تنظيم داعش الإرهابي، وغذته بالتعاون والتنسيق مع السعودية وقطر وتركيا؟

هذا كله إلى جانب إلصاق تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين، ووصفهم بالذئاب المنفردة والمتخلفين، وغير ذلك من أوصاف نابية بعيدة عن قاموس الحضارة البشرية.

العدد 1107 - 22/5/2024