ترامب.. نموذج للقائد الأحمق!

لم يعد الأمر مسلّياً على الإطلاق، فالقصص والحكايات التي كانت تثير الابتسامة والسخرية، باتت تثير القشعريرة والخوف والقلق.

 دونالد ترامب، ليس رئيساً تقليدياً، وسلوكيته غير متوقعة على الإطلاق، ومواقفه متقلبة بصورة تبعث على الضجر، يقول الشيء ونقيضه خلال أقل من 24 ساعة، ليس في القضايا الصغيرة أو التفصيلية، بل في المواقف الكبرى والاستراتيجيات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اليوم يتهم الصين وغداً يمتدح رئيسها إلى درجة الغزل.. يمتدح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويهبط بالعلاقة مع بلاده إلى أدنى مستوى منذ الحرب الباردة، ثم يعود فيغرد معرباً عن ثقته بأن العلاقة مع روسيا ستكون على ما يرام، يسخر من حلف شمال الأطلسي قبل أن يعود للدعوة إلى مدحه وضرورة إحيائه، لا يمانع من بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، ثم يقصف قاعدة جوية سورية بـ59 صاروخاً..

هاجسه الأول والأخير، أن يظهر على أنه رئيس قوي، نقيض تماماً لسلفه أوباما، مقارنات تسمعها صبح مساء، شبح الرئيس السابق أوباما وصورته، يطاردان ترامب في حله وترحاله.. السياسة الخارجية والدفاعية باتت وكأنها تستند إلى نظرته إلى نفسه، وكأن كل شيء يدور حوله، والباقي تفاصيل لا قيمة لها عنده، يتذكر قطعة (الكيك) التي تناولها كأفضل ما مر به، وينسى اسم البلد الذي قصفه بـ59 صاروخ توما هوك.. بالمحصلة أصبح العالم لا يعرف أين يبدأ (العائلي) وأين يبدأ (الموسّسي) في سلوكه وقراراته وإداراته.. يقال إنه اتخذ قرار ضرب قاعدة الشعيرات السورية بتأثير من ابنته إيفانكا.. صهره أقرب إليه من أركان الإدارة الكبار، وهو مستعد للإطاحة بهم الواحد تلو الآخر، إن تطلب الأمر ذلك، وتسبب في إراحة الصهر المدلل والابنة المدللة جداً، والتي تنافس على لقب السيدة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية..

وبعد أكثر من مئة يوم من حكمه، لاتزال الوظائف الكبرى في الإدارة شاغرة (130 موقعاً رفيعاً شاغراً في البيت الأبيض وحده، كما تقول مصادر مقربة من الإدارة الأمريكية).

دونالد ترامب بات فعلاً يشكل تهديداً للأمن والسلام الدوليين، خلال أسابيع قليلة من ولايته، قصف سورية لأول مرة منذ  اندلاع الأحداث فيها، وقبل التحقق والتحقيق في هوية من استخدم السلاح الكيماوي، ووضع العالم بأسره على شفا حافة من المواجهة الكبرى غير المحمودة العواقب. في أفغانستان استخدم أكبر قنبلة غير نووية في الترسانة الأمريكية (أم القنابل).. الآن يقوم بحشد الصواريخ المجنحة وحاملات الطائرات والمدمرات حول كوريا الشمالية.

إذاً سلوك ترامب وممارساته خلال فترة قصيرة مضت على وجوده في البيت الأبيض الأمريكي تشير إلى أنه رجل أحمق، ضحل التفكير، مهجوس بصورته وهواجسه، وغير عقلاني، الأمر الذي يجعله خطراً للغاية.

العالم بأسره هذه الأيام يحبس أنفاسه وتتسمّر أنظاره صوب شبه الجزيرة الكورية، ولا أحد يدري إلى أين ستتجه التطورات وأية مفاجآت ستقع هناك.. لا أحد يدري كيف لشرارة، أي شرارة، أن تشعل سهلاً بل وربما تحدث حريقاً عالمياً شاملاً.. لا أحد يعرف من (يحرك) رئيس الدولة العظمى: الابنة إيفانكا والصهر، أم العُقَد الشخصية، أم هاجس أوباما الذي يلاحقه. يقول العديد من الخبراء والمحللين السياسيين بأنه لفهم وتتبع سلوك ترامب يحتاج هذا الأمر إلى (التحليل النفسي) وليس التحليل السياسي، وربما سينجح في ذلك سيغموند فرويد لو بُعث حياً.

إن ظاهرة ترامب عصية على الفهم، في أكبر بلد صناعي يتمتع بقوة عسكرية خارقة ومتسلطة على الدول والشعوب، وهي تشكل خطراً حقيقياً على العالم أجمع، وتسيء لمنظومة القيم والمبادئ والحضارة، وتهديداً جدياً للأمن والسلام العالميين.

في آخر تصريح له حول كوريا الشمالية قال إنه سيتصرف منفرداً ضدها، إن لم تتحرك الصين، ولكن كيف سيتصرف وما هي الإجراءات التي سيتخذها، وما هي أوراقه؟ لا أحد يعرف.. بالنسبة للعقوبات لم يبق في جعبته ما يمكن استلاله وفرضه عليها في الأيام القادمة.. يقدر الكثيرون من المتابعين والمراقبين أنه لم يبق أمامه سوى العمل العسكري الذي قد يشعل ذلك الجزء من العالم، بل العالم بأسره، لأن الخصم المقابل على الجبهة المقابلة (أي كوريا) من حقها الدفاع عن نفسها، وهي تمتلك من القوة العسكرية ما يؤهلها للرد على أية مغامرة أمريكية، وقادرة على توجع الولايات المتحدة في أكثر من مكان، لذلك ليس مستبعداً أن ينزلق ترامب إلى ما لا تحمد عقباه، في ظل تهوره وحماقته وغروره غير المحدود، ذلك أنه من الصعب المراهنة على تصور عقلاني في سلوك قادة حمقى من هذا النوع.

العدد 1107 - 22/5/2024