العدوان الأمريكي على «الشعيرات».. توقيته ورسائله!

نفّذت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب عدواناً وحشياً على قاعدة الشعيرات الجوية في المنطقة الوسطى صباح يوم 7/4/2017 عبر قصف صاروخي بصواريخ (توما هوك)، رداً على مسرحية القصف الكيماوي المدبرة في خان شيخون بإدلب التي تخضع لسيطرة تنظيم جبهة النصرة الإرهابي.

واشنطن التي لفقت هذه التهمة لسورية، بأن الجيش السوري هو الذي قصف خان شيخون بالسلاح الكيماوي، دون وجود أية أدلة على ذلك، سارعت إلى القيام بالقصف المذكورة لمطار الشعيرات بـ59 صاروخاً، من دون أن تنتظر إجراء تحقيق حول ذلك من قبل لجنة تقصي حقائق لتبيان الحقيقة في هذا الموضوع، كما طلبت روسيا، وبالتالي فإن هذا العدوان يمثل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، وتدخلاً سافراً في شؤون دولة عضو في الأمم المتحدة.

بالطبع هذا العدوان ليس مستغرباً، بل كان متوقعاً، وتؤكد تطورات الأحداث أن الإعداد له جرى قبل ارتكاب جريمة الكيماوي، وأنه نُفّذ لعدة أسباب منها:

* توجيه رسالة للداخل الأمريكي بأن إدارة ترامب قادرة على التحرك إزاء القضايا والملفات الدولية الساخنة أكثر من إدارة أوباما، وأنها تواجه التطلعات والممارسات الروسية في المنطقة، وخاصة على الأرض السورية، وبالتالي فإن الاتهامات الموجهة لترامب وبعض عناصر إدارته بوجود علاقات لهم مع الرئيس بوتين غير صحيحة.

* محاولة التأثير على الوضع الميداني في سورية، الذي يسير في صالح الدولة السورية، بعد الانتصارات التي يحققها جيشها بالتعاون مع القوات الرديفة، وإمكانية تعديله ليصبح في صالح المجموعات الإرهابية المسلحة.

* السعي لإحياء مشاريع ما تسمى (المناطق الآمنة) في شمال سورية وجنوبها، والتأكيد لحلفاء واشنطن أن سياسات إدارة ترامب حيال سورية هي مختلفة عن سياسات سلفه أوباما وإدارته.

* محاولة إيجاد واقع جديد يحد من التفرد الروسي في البحث عن حل سياسي في سورية حسب المزاعم الأمريكية، علماً بأن روسيا عرضت وماتزال بإلحاح التعاون مع واشنطن في هذا المجال، إلا أن الأخيرة لم تتجاوب مع هذه العروض بل عملت على العرقلة.

هذه هي بعض الرسائل التي أرادت إدارة ترامب إرسالها لعدة جهات كما ذكرنا.. وإذا عدنا إلى مسرحية قصف خان شيخون بالكيماوي واتهام الجيش السوري بذلك، نجد أنها مسرحية متكررة، فقد سبق للمنظمات الإرهابية أن استخدمت الغازات السامة في الغوطة الشرقية وفي خان العسل عام ،2013 في محاولة للتحريض على سورية وشيطنة قيادتها ودفع أمريكا والغرب إلى التدخل العسكري وإسقاط الدولة السورية.. وآنذاك وبمساع روسية، تراجعت واشنطن عن تهديداتها وتخلصت سورية من سلاحها الكيميائي بشكل نهائي، حسب شهادة اللجان الأجنبية التي أشرفت على ذلك وأشادت بالتعاون السوري الكامل في هذا المجال.

والشيء الآخر المهم أن المنظمات الإرهابية المسلحة وخاصة جبهة النصرة، لجأت إلى هذه المسرحية في خان شيخون، واستخدمت الغازات السامة من أجل خلط الأوراق، لاسيما بعد التصريحات الأمريكية الثلاثة من قبل البيت الأبيض والخارجية الأمريكية ومندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، بأن الأولوية لدى إدارة ترامب هزيمة داعش، وليس إسقاط الرئيس بشار الأسد، إذ إن التنظيمات الإرهابية ورعاتها في تركيا والسعودية وقطر قد جُن جنونهم، فلجؤوا إلى تدبير مجزرة خان شيخون والسلاح الكيماوي واتهام سورية بذلك.. هذا في الوقت الذي سارعت فيه الدول الغربية (بريطانيا وفرنسا) خاصة إلى توجيه الاتهام لسورية وتعطيل الدعوة الروسية للتحقيق في الموضوع من قبل لجنة محايدة.

على أية حال كشف هذا التعاون الأمريكي الوحشي على قاعدة الشعيرات أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من يشن ويدير الحرب الإرهابية ضد الدولة السورية والشعب السوري، وأن الإرهابيين من جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهم، ما هم إلا أدوات رخيصة في يد واشنطن وعملائها في المنطقة، وأن الولايات المتحدة هي التي تنتهك سيادة الدولة والقانون الدولي وتنصب من نفسها شرطياً على العالم، معتمدة على شريعة الغاب والقوة العسكرية والترهيب.

إن هذا الانكشاف الأمريكي أدى إلى اقتناع الشعب السوري والجماهير العربية أكثر فأكثر وحتى قطاع كبير من الرأي العام العالمي، بأن ما جرى ويجري في سورية، ما هو إلا مخطط أمريكي غربي رجعي عربي لإسقاط الدولة السورية ومحور المقاومة بشكل عام.

بطبيعة الحال أدرك الرئيس بوتين مرامي وأهداف الضربة الأمريكية لسورية في مطار الشعيرات، فكان أول إجراء له الإيعاز بوقف التنسيق الجوي مع أمريكا لمنع حصول حوادث طيران في الأجواء السورية، كرد عملي على الانتهاك الأمريكي للقانون الدولي وعدم الأخذ بالرأي الروسي الذي أكد أن الجيش السوري لم يعد يملك السلاح الكيماوي، بل هذا السلاح تمتلكه المجموعات الإرهابية، وبالتالي فالاتهام يجب أن يوجه إليها وليس لسورية. إلى جانب ذلك من المحتمل جداً إقدام روسيا على تزويد سورية بأسلحة متطورة قادرة على صد ومواجهة أي اعتداء أمريكي جديد على سورية، سواء كان بالطيران أم بالصواريخ، ذلك أن روسيا لن تتساهل إزاء هذه التجاوزات الأمريكية ومحاولات إنقاذ الإرهابيين.

جدير بالذكر أن ترامب الأهوج والمسكون بجنون العظمة اعتمد على منظمة خائنة مؤيدة لتنظيم داعش الإرهابي وممولة من دول النفط ودول غربية أخرى في شن ضربته العدوانية، هي منظمة (الخوذات البيضاء)، لأن مثل هذا الهجوم الكيماوي المدبر هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تشوش على انتصارات الجيش السوري.

وفي الختام نقول لكل الحكام العرب الشامتين والمهللين للضربة والمهنئين لترامب على تنفيذها، وفي مقدمتهم الملك سلمان، بأن سورية ستبقى شوكة في عيونكم الصفراء، وستبقون رمزاً للخضوع والعمال للأجنبي، وسيرتد حقدكم الدفين على شعب سورية، سيرتد وبالاً على عروشكم المهترئة.

العدد 1107 - 22/5/2024