واقع الحمضيات ينتهي بمأساة القلع والحكومة شاهد عيان

تؤلمك مناظر تلك المزارع على طول شريط الساحل السوري الذي فقد بريق أزهار ربيعها وتدلّي أغصانها بثمار البرتقال الذي لم يُقطف بعد، معلناً أنين مزارعيه بطول انتظار الوعود الحكومية بالحلول، فالوضع بات حرجاً وبحاجة إلى عناية مشددة تنقذ ما تبقى من شجيرات الليمون والبرتقال، كي لا تصبح ذكرى في رائعة محمد عبد الوهاب (يلّي زرعتو البرتقال).

تكاليف مرتفعة وأسعار متدنية

باتت معاناة مزارعي الحمضيات واضحة خلال السنتين الأخيرتين خصوصاً، وقد تجلت بإتلاف محاصيلهم أو تركها على الأشجار، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها تدني أسعار المحصول أمام تكلفة الإنتاج، وتحكّم التجار بالسعر لعدم وجود سوق تصريف للمنتج وخصوصاً ضعف الكثير من الأسواق الداخلية في التصريف، وذلك يعود لعوامل ارتفاع أسعار النقل بسبب ارتفاع أسعار المحروقات في السنوات الأخيرة، وكذلك انتشار مظاهر التشليح ودفع الأتاوات على الشاحنات الناقلة وغيرها من قبل الزعران الذين انتشرت تجارتهم بسبب الحرب، ولا ننسى أيضاً خروج أسواق المنطقة الشرقية عن الخدمة بسبب الإرهاب، وعدم تأمين الحكومة وسائل نقل المحاصيل وغيرها، والتقصير بفتح أسواق خارجية للتصريف، إضافة إلى إهمال ملفّ الحمضيات على مدى عقود، وعدم التفكير بحلول حكومية تخدم المزارع. فعلى سبيل المثال هناك مشروع موضوع من تسعينيات القرن المنصرم بفتح معمل عصائر في مدينة جبلة يستقبل إنتاج الفلاحين من الحمضيات، ولكن ما حدث هو التكتم على المشروع وإهماله، لسبب لعله يكون الأبرز وهو وجود معمل عصائر خاص عائد لأحد كبار التجار في اللاذقية متحكم منذ سنوات بسوق الحمضيات، وهو يشتريها بأبخس الأسعار، ولم يلقَ من ينافسه، بسبب الغياب الكامل للعلاج الوزاري والحكومي.

القلع حلّ المزارعودمار للمستقبل الزراعي

لم يقف الأمر عند إتلاف المحصول أو ترك البساتين دون خدمة، فقد اتجه الكثير من الفلاحين لقلع أشجار الحمضيات وتحويل بساتينهم إلى الزراعات الحولية السريعة التي تؤمّن مصدر دخل لهم ولأسرهم، في ظل الوضع المعيشي السيئ الذي يعيشه السوريون اليوم، غير آبهين بقانون المخالفة والتغريم، فهم بحاجة إلى حلول تؤمّن لهم أبسط حقهم في العيش، بعد أن فقدوا الأمل بالحلول وبالوعود الحكومية البراقة، وخصوصاً بعد ارتفاع تكاليف الإنتاج من سماد ومحروقات وأدوية كيماوية وغيرها والتي تكبدهم خسائر فادحة جداً، وبالنهاية إتلاف محصولهم.

في متابعة لصحيفة (النور) حول موضوع الأشجار المقلوعة، حصلنا على إحصائية مديرية الزراعة في اللاذقية، التي تبين ارتفاع معدل القلع ونبينها بالتالي:

عدد الأشجار المقلوعة خلال عام 2016 هو 5086 شجرة.

عدد الأشجار المقلوعة في الربع الأول من 2017 هو 20338.

المجموع ،25424 بتقسيم العدد على عدد الأشجار في الدونم 35 = 726 دونماً.

وبمقارنة بين 2016 والربع الأول من 2017 نلاحظ أن القلع في ازدياد.

رويم: ربح السماسرة حرم الفلاح من ثمرة تعبه

 وفي حديث خاص لصحيفة (النور) مع الباحث الاقتصادي محمد رويم، عن واقع الزراعة السورية الحالي باعتبارها من دعائم الاقتصاد المهمة خلال سنوات ما قبل الحرب الحالية، لما حققته من اكتفاء ذاتي وتنمية مستدامة في عام 2006 والتراجع الذي شهدته والذي أدى لموتها السريري خلال الست سنوات، بغياب غير مبرر لوزارة الزراعة واتحاد الفلاحين وغيره عن حمايتها، وغياب خطط تنموية لمعالجة واقعها وخصوصاً ملف الحمضيات، صرح قائلاً:

يعتبر قطاع الزراعة من أهم القطاعات الاقتصادية في سورية، فهو يشكل ما يزيد على ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وهو إرث اقتصادي كبير ناجم عن خمسين عاماً من الإصلاح في هذا القطاع، فقد تحولت سورية من مستورد للغذاء إلى مصدّر عالمي لشتى أصناف المواد الزراعية واحتلت مراتب متقدمة على مستوى العالم في مجال الإنتاج الزراعي.

المشكلة تكمن في عدم قدرة القطاع الصناعي على الاستفادة من هذه الموارد الزراعية بتحويلها إلى مواد مصنعة ذات قيمة مضافة عالية. كما أن ارتفاع تكاليف النقل وتضخم هامش ربح السماسرة أدى إلى حرمان الفلاح من ثمرة تعبه، وفي الوقت نفسه حرمان المواطن من استهلاك هذه المنتجات بسعر معقول.

هناك مشاكل تتعلق بنوعية الإنتاج لابد من ذكرها، إذ إن معظم الحمضيات السورية هي من سلالات المائدة وليست صالحة للاستغلال الصناعي كعصائر وخلافه. كان يجب تحسين هذه السلالات بالتطوير أو الاستبدال. مع حماية اقتصادية تتمثل في الحد من الصناعات الغذائية الكيميائية، وتشجيع الصناعات الغذائية الطبيعية. كما أن تسهيل عمليات النقل إلى المدن والتجمعات السكانية الكبرى وبرعاية حكومية يمكن أن يحد من الآثار السلبية على المزارع ويؤمّن الغذاء الصحي للمواطنين.

تعكف الدول الأوربية على تقديم كل أشكال للدعم والحماية لقطاعاتها الزراعية من خلال مفاوضات منظمة التجارة العالمية، إيماناً منها بأهمية القطاع الزراعي. كما أن الصناعات الغذائية الأوربية تصدر إلى كل أنحاء العالم وتشكل مصدر ثراء لهذه الدول رغم أنها دول متقدمة ولديها صناعات ثقيلة وتكنولوجيا. وتساءلنا عن دور الحكومة ووزارة الزراعة في تحسين واقع مزارعي الحمضيات وما هي الخطوات التي يجب العمل عليها؟ فأجاب رويم قائلاً:

 أهم دعم هو المساعدة في تسويق المنتج خارجياً وداخلياً، فعلى سبيل المثال مدينة روسية واحدة يمكن أن تستوعب كامل إنتاج سورية من البرتقال، ولكن الأمر يحتاج إلى من يعمل.

رأي ومقترح بمنظور إعلامي

وفق متابعتنا الصحفية لواقع الزراعة في سورية قبل الأزمة وخلالها، وقراءتنا للتجارب العالمية في تطوير الزراعة باعتبارها قاطرة نمو وأهم دعائم الاقتصاد، صحيفة (النور) تتساءل: لماذا لا يُستفاد من تجارب الدول المتقدمة إيران مثلاً في فتح معامل للعصائر الطبيعية وإرشاد المواطن لشرائها من خلال الحملات الإعلامية وغيرها، ومنع استيراد مساحيق العصير الصناعية المؤذية للصحة والتي يستهلكها الأطفال بكثرة، وهذا الأمر يقع بالدرجة الأولى على عاتق وزارة الصحة، وإن كان السبب المبرر دائماً بأن البرتقال السوري غير اقتصادي ولا يحتوي على الكثافة مقارنة ببرتقال دول أمريكا الجنوبية، ويمكن لوزارة الزراعة أن تعمل على وضع خطة لتحسين الأنواع بالتطعيم وغيره وإرشاد المزارع، كما يقع على اتحاد المصدرين مسؤولية كبيرة بدل التصريحات التي كثرت بأن التصدير ساري المفعول والواقع مختلف، فمسؤولية الاتحاد تتمثل في العمل الجاد على فتح أسواق داخلية وخارجية لتسويق المنتج، بدل الكلام في الهواء الطلق الذي لا جدوى منه.

العدد 1107 - 22/5/2024