عن أية « هيبة دولة » يتحدّثون؟! ..إعلامنا.. إلى مقصلة الفاسدين!

صدر عن وزير العدل القاضي المستشار هشام محمد ممدوح الشعّار كتاب مؤرخ في 8/5/2017 وموجّه إلى رئيس مجلس الوزراء جواباً على كتابه الذي يحمل رقم 4856/1 تاريخ 20/4/2017 والمتضمن (العمل على إعداد مذكرة تفصيلية حول ما تتناوله بعض الوسائل الإعلامية الخاصة وبعض الإعلاميين في الإعلام الرسمي من قضايا ومواضيع تستهدف العمل الحكومي وتساهم في إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني لدى المواطنين)..
وقد رجا وزير العدل هشام الشعار رئيس الحكومة عماد خميس (التعميم على وزارات الدولة كافة لموافاة وزارة العدل بالمواضيع الصحفية المتعلقة بالموضوع الآنف الذكر، ليصار إلى معالجتها وفق الأنظمة والقوانين النافذة)…

ويعد هذا القرار جزءاً من حرب الفاسدين المعلنة ضد الإصلاح، كما أنه حلقة من حلقات الضغط على الإعلام ومضايقة الإعلاميين…

وفي أول تعليق له على الموضوع صرّح وزير الإعلام محمد رامز ترجمان بالقول (إننا لن نسمح لأحد أن يعيق حرية الإعلام ولكن وفق قوانين الدستور السوري).

وأضاف قائلاً:
(عندما يريد الصحفي أن يتكلم عن تقصير معين يجب أن تكون بين يديه وثائق، فنحن نخوض حرباً لذا يجب أن تكون هناك استراتيجية عمل للإعلام، وهذا من حق الدولة ومن حق المواطن ويجب أن نكون على قدر المسؤولية). كما قال إن ما ورد في الكتاب حول (إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني للمواطنين..) بأنه (خارج عن الإطار…).

فأي إطار تعمل به حكومة العدل؟ لأنه مع الأسف سيضيع وقت العدالة في البحث عن الصحافيين الجناة، بينما سيصطاد الفاسدون في المياه- ليس العكرة فحسب- وإنما الآسنة…!

الحكومة يجب أن تقرأ

فــــــــــــلدى لجانها الوقت الكافي لذلك.. والحـــــــكومي يجب أن يتنازل قليلاً عن أرستقراطيته الإدارية وينزل من برجه العاجي إلى صفوف الإعلاميين المناضلين.. فالإعلاميون الحقيقيون بُناة وطن ولن يسمحوا بتهديمه بالأفكار الخاطئة، والإعلامي المتمكن والمخلص يجب أن يشارك في صناعة القرار الحكومي وهذا من حقه وحق البلد.

 

حرية الصحافة على حافة وادٍ سحيق

فإما أن تنال صحافتنا كامل حريتها أو تهوي في الوادي السحيق.. وكما رأينا قبل أشهر قليلة فالمغفور لزلاته وزير العدل المعزول نجم الأحمد وعد قبل حوالي ثلاثة أشهر بملاحقة ناشطي المواقع الإلكترونية والفيسبوك الذين ينتقدون المسؤولين مؤكداً أن (الأمن الجنائي المعلوماتي) سيقوم بذلك (وفق القوانين والأنظمة النافذة).. يعني أن طبخة السابق نضجت في عهد الحالي ليطعموا الصحافة علقم إجراءاتهم…

لماذا هذه العدوانية؟!!

لماذا لا نرى قراراً حكومياً يُفرح الشعب؟.. لماذا هذه النوايا غير الحسنة؟.. ماذا لو خاطبت حكومة سويسرا وزارة عدلها بمثل هذه الكتاب؟ ألن يتحول السويسريون إلى وحوش كاسرة؟ وماذا عسى الصحافيين يفعلون إزاء هذا (الوعيد)؟!

 في (هيبة الدولة)..

وأرى أنه كفى ابتذالاً لهذا المصطلح.. إذ يفترض أن يكون للدولة هيبتها بمجرد وجودها، ويجب أن يكون هناك تطابق بين الشرعية التي تحيل إلى القانون بمفهومه الواسع، والمشروعية التي تحيل إلى تعبير القانون لنفس المفهوم الواسع عن إرادة أغلبية المواطنين،
والهيبة ليست بالعصا ولا في القوة، بل الهيبة تستمدها الدولة أساساً من مشروعية المؤسسات داخلها والدولة لا تكون مهيبة كما يتصور الكثيرون بفرض القانون وفرض احترامه ولكن تكون مهابة أكثر حينما يقبل المواطنون بهذه المؤسسات وبالقوانين التي أنشأتها وبالنصوص التي تنظمها، وبالتالي فعن أية هيبة تتحدث الحكومة وأهم مؤسساتها قد فرّط بتاريخ البلاد لصالح جهات معادية؟

السلطة التنفيذية وهيبة الدولة

يجب أن تدرك السلطة التنفيذية أثناء ممارستها لاختصاصاتها، وخاصة باستخدام أدوات الردع القانونية، أنها لو تجاوزت صلاحياتها فإنها ستزلزل هيبة الدولة.

===============

مصطلح هيبة الدولة

نجد في علم الجيوبوليتيك السياسي ما يصطلح على تسميته بـ(هيبة الدولة)، هذه الهيبة هي وحدها القادرة على صون المرتكزات الأخلاقية لأيّ ميثاق اجتماعي بين مختلف مكوّنات الدولة، أيّة دولة.. وهيبة الدولة، أيّة دولة، تصنعها أوّلاً العدالة بالقانون الممتلك لمقوّمات زجريّة تحمي الحرّيات والكرامات على حدِّ سواء، وتصنعها ثانياً ممارسة المؤسّسات الدستورية لسيادتها حصراً بمنأى عن أيّ استتباعات وارتهانات أو مسايرات.

 

فاعلية هيبة الدولة

لا تستقيم فاعلية هيبة الدولة سوى باستيعاب أنّ الهيبة ليست قوّة بقدر ما هي شرعية، وبفهم أنّ الأمن الاجتماعي ليس اشتباكاً لهضم حقوق أو تحصيلها، بقدر ما هو ذهنية تحصين كرامة الإنسان، الذي لولاه لما كان من سلطةٍ حتماً.

من غير المقبول استمرار الاستقواء على هيبة الشعب والإعلام…

لقد أضحت الحاجة مُلحّة لانتفاضةٍ هادئة إعلاميةٍ دستورية ميثاقية يتولاها السيد رئيس الجمهورية ويضع فيها الحكوميين إزاء مسؤولياتهم، ويعلن فيها للسوريين أن سورية المنتصرة تصنعها إراداتٌ ندّية يكون الحَكَم بينها الحقُّ والحقُّ وحده،
وقد بات من غير المقبول استمرار الاستقواء على هيبة الشعب والإعلام بأشكالٍ مُقنَّعةٍ بـ(هيبة الدولة) أما الخطاب السائد في التباكي على هيبة الدولة فهو في التحليل النهائي خطاب دعائي تنتجه في العادة أطراف في المجتمع والدولة في الغالب يتحملون جانباً من مسؤولية تراجع كفاءة الدولة، ولهم مصلحة في استمرار التماسك الهش للوظائف الشكلية لمؤسسات الدولة بغض النظر عن مستوى مخرجات هذه المؤسسات وقيمته، ما يبرر الدخول في حالة جديدة من إعاقة مسار تطوير بناء الدولة الوطنية،
أي استمرار الأسباب والمصادر التي عملت على تراجع كفاءة الدولة وبالتالي افتقادها الفعالية والحضور والهيبة، والدخول في مسار جديد من التسلط والسيطرة وأحياناً التعسف في استخدام القوة وليس القانون باسم حماية هيبة الدولة..
وقد حان الوقت للكف عن إطلاق مسميات تخدم مسار التراجع في بناء الدولة الوطنية أكثر مما قد يبدو أنه حرص على ترميمها والحفاظ عليها.

 

لا للخلط بين مفهوميْ الكفاءة والهيبة

الكثير من المعطيات يؤكد ان غياب الوعي بالدولة وقيمتها يرتبط بكل بساطة بأسباب معرفية نتيجة ضعف تكوين النخب الحكومية الرسمية مقابل تأخر ظهور أو انشغال النخب المدنية والأهلية بمسائل أخرى، وهنا يسود الخلط الواضح بين مفهومي الكفاءة والهيبة.
الخلل الذي يشير إليه الخروج الفعلي من مسار تطوير بناء الدولة الوطنية أن تتحول قصة البحث عن الهيبة والحضور إلى مجرد شماعة يعلّق عليها حصاد الفشل والخيبة وممارسات الفساد وتبرير تسلط نخبة صغيرة وسيطرتها على القرار..
وهيبة الدولة الحقيقية مصدرها الكفاءة، والهيبة محصلة ونتيجة تدل على قدرة مؤسسات الدولة ونخبها على ممارسة الوظائف العامة بجودة، وتمتعها بقدرات توزيعية عادلة في السلطة والثروة والقوة، وقدرة على أن تجعل القانون يعمل في خدمة الجميع ومن أجل الجميع..
هيبة الدولة في المبتدأ والخبر هي كفاءة الدولة في إدارة الموارد وتحويل الندرة إلى وفرة عزيزة، وهيبة الدولة هي الكفاءة في استثمار الموارد البشرية والتحول في مفهوم الولاء للوطن من الولاء لأفراد الحكومة إلى الولاء للإنجاز والنزاهة الوطنية، وهيبة الدولة هي بالاعتراف بالأخطاء والإجابة بصراحة ومسؤولية عن أسئلة الناس والإعلاميين.

من التاريخ نتعلم

عندما زار الخليفة عمر بن الخطاب دمشق – وكان واليها في ذلك الوقت معاوية بن أبي سفيان- خرج معاوية لاستقباله بكل هيبة ووقار مرتدياً أفخم الملابس ومحاطاً بالحرس، فسأله الخليفة: لمَ كل هذا يا بن أبي سفيان؟ فأجابه معاوية: لأجعل للولاية هيبة ووقاراً، فرد عليه الخليفة بجملة مقتضبة: (رأي أريب أم خدعة أديب؟).
للأسف الشديد ما زال البعض يعتقد أن هيبة الدولة في المنصب بحد ذاته وينسى التزامات هذا المنصب، ومنهم من يراه في الترفّه بالمال العام وشراء السيارات الفارهة وبناء المباني الضخمة، وكل هذا لا يصنع إلا هيبة زائفة.
والهيبة الحقيقية للدولة هي في كفاءة الدولة وقدرتها على حل المشاكل، وهذا لا يتحقق إلا إذا فهم كل من يشغل منصباً عاماً واجبات المنصب وأعطاها الأولوية على ما يحصل عليه من مزايا نتيجة شغله لهذا المنصب.

يعتقد بعض الحكوميين أن القضاء تحت سيطرتهم، وبالتالي يصدرون تعاميم كهذا.. يجب أن يعلم هؤلاء أن القانون سيكون نافذاً.. وفي المحصلة فإن القضايا التي ستحال إلى القضاء ستدين الحكوميين وفقط الحكوميين.

زواج تقليدي

إن المراقب لحالة تعاطي الحكومة مع الإعلام المحلي يرى أنها حالة زواج تقليدي على الطريقة العصملية، فالحكومة تعتقد أنها ذلك الرجل ذو الشنبات والطربوش وقد تزوج فتاة قاصر هي الإعلام.. وطيلة فترة الزواج يقول لها أنا الآمر أنا الناهي..

ويأتي حديثنا هذا بعد أن احتفلت البلاد الأسبوع الماضي في دمشق بأول يوم من شهر رمضان بإحياء (الطربوش العصملّي) تحت أعين الحكومة التي ما انفكّت تتحدث عن السيادة والهيبة.. وكل عام وأنتم بخير!

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024