أدهـم شــمـوط..الشيوعي الشجاع ابن مدينة اللاذقية

اللاذقية، هذه المدينة الضاربة جذورها في تاريخ بلاد الشام، الواقعة على الساحل السوري في المنطقة التي ضمتها مع أوغاريت وغيرها من الأوابد، التي أعطت البشرية أول أبجدية في تاريخ الإنسانية..

اللاذقية هذه المدينة التي لعبت دوراً وطنياً بارزاً في تاريخ سورية المعاصر، وكانت إحدى المحافظات السورية الأوَل التي أفشلت المؤامرة الفرنسية الهادفة إلى تقسيم البلاد إلى دويلات على أساس طائفي أو إثني..

اللاذقية التي امتلكت إرثاً عريقاً في النضال من أجل تحرير البلاد السورية من الاستعمار الفرنسي وتحقيق استقلالها الوطني، أفرزت أيضاً الكثير والكثير من الشخصيات الوطنية والفكرية والأدبية والثقافية، بحيث لا يمكن الحديث عن الثقافة الوطنية السورية دون أن يكون لهذه المدينة نصيب وافر منها.

كانت الأوضاع في هذه المدينة في العقد الثالث من القرن الماضي وبداية العقد الرابع معقدة وصعبة، وكان الفرنسيون يقدمون كل الدعم والمساعدة للطبقة الإقطاعية وللسماسرة الذين كانوا يشكلون الأرضية الاجتماعية لهم في البلاد، وكانت الإقطاعية هذه الطبقة المتداعية تعيش على نهب الفلاحين وسرقتهم، وكانت أجهزة السلطة العميلة للفرنسيين هي السوط الذي كانت تستخدمه ضدهم، أما السماسرة فكان همهم الأساسي نهب الشعب، كما يحدث الآن، وتجميع الثروات، في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة من حياة البلاد، وحياة هذه المدينة، وفي أول الأربعينيات من القرن الماضي تشكلت الخلية الأولى في اللاذقية من عدة أفراد، وكانت قد نشأت قبل ذلك في مدينة كسب خلية للحزب من قبل الأرمن، وكان التنسيق يجري بينهما، وتدريجياً بدأ النشاط يتسع وأخذ الحزب يعلن عن وجوده في هذه المدينة عن طريق بيع جريدة الحزب (صوت الشعب) بصورة علنية.

أخذ الحزب يستقطب بعض العمال والمثقفين، وفي النصف الثاني من الأربعينيات، ينتسب إلى الحزب الشاب أدهم شموط من أهالي اللاذقية، هذا الشاب الشجاع والباسل، الذي ترك بصماته على مسيرة المنظمة الشيوعية الفتية في هذه المدينة، الحماس الثوري، والتفاني في خدمة أهداف الحزب، والبسالة والرجولة، مما أدى لإعطاء زخم حيوي لنضال الشيوعيين.

كان يسير باستمرار في مقدمة المظاهرات السياسية والمطلبية للشيوعيين، في مظاهرات يوم العمال العالمي، والمظاهرات التي كانت تنطلق في المدينة مناديةً بالاستقلال الوطني، وقد تعرض أدهم أكثر من مرة للاعتقال والسجن، وكان لاعتقاله في مظاهرة الجلاء صدى واسعاً في أنحاء المدينة، فقد قاوم الدرك، ولقد ضُرِب وعُذِّب وأحيل إلى المحاكمة.

إن شوارع اللاذقية في ذلك الوقت عرفت جيداً هذا الشيوعي، وعرفه أيضاً كادحوها، لقد عرفوا كم من العمل الدؤوب والتضحيات الجسام التي كان يقدمها هذا الشيوعي لمدينته، لوطنه، ولشعبه، دون أي ثمن ودون أي مقابل.

كانت فكرة التضحية بالذات من أجل الشعب والوطن تملأ كيانه وعقله الحالم بمستقبل أفضل، بمستقبل سعيد يعم بخيره على كل الناس، لم يكن يسعى لمجد شخصي، ولم يكن يقبل التميز عن رفاقه.

عاش متواضعاً، وانتهت حياته بتواضع.. إن التاريخ يصنعه دائماً أولئك الناس البسطاء والشجعان والحالمون أبداً بالعدالة والحرية والكرامة، هؤلاء الناس هم الذين يجب أن يخلدوا.

العدد 1107 - 22/5/2024