تحرير القلمون يلوح في الأفق

لا يمكن إهمال الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لمنطقة القلمون، ويكفي أن نتذكر أنها من أولى الأراضي السورية التي استردها الجيش السوري بشكل شبه كلي من المجموعات الإسلامية المسلحة، مفضلاً هذه المنطقة قليلة السكان وقليلة الموارد الاقتصادية، على مناطق أخرى أكثر كثافة سكانية كالغوطة الشرقية ومحيط دمشق، وأكثر أهمية اقتصادية كشمال حلب وحقول النفط في البادية السورية، ذلك أن جرود القلمون تؤمن بالنسبة للمجموعات الإسلامية المسلحة مع حدودها المطلة على بلدة عرسال اللبنانية، عمقاً استراتيجياً هاماً من حيث الدعم اللوجستي والعسكري المستمر، والخدمات الطبية، وظروف الاحتماء المثالية من الجيش السوري وحلفاؤه. على أرض الواقع، لا يمكن الفصل جغرافياً بين جرود القلمون اللبنانية وجرود القلمون السورية، وكثيراً ما تداخلت المعارك في أراضي البلدين.

الجيش السوري كان له وجود مستمر في القطيفة والرحيبة ومعلولا وصيدنايا وتلفيتا، ومع تطور الحرب في سورية، استطاعت المجموعات المسلحة منذ عام 2012، أن تحكم المدن والبلدات المهمة مثل قارة ورنكوس وعسال الورد ويبرود، إضافة إلى القرى المتناثرة القريبة منها. لكن بعد المرحلة الأولى من استرداد منطقة القلمون، أي معركة قارة التي استردها الجيش السوري وحلفاؤه نهاية عام 2013، تحول ميزان القوى لصالحها، وبدأت الفصائل المسلحة المتقهقرة من سقوط البلدات السورية المتتالية، بالتجمع في أعالي القلمون.

لكن على الرغم من سلسلة الانتصارات المتتالية التي تحققت، لم تستطع قوات الجيش السوري وعناصر حزب الله من حصار المجموعات الإسلامية المسلحة في منطقة القلمون بشكل كامل، ولم يمكن إطلاقاً اعتبار المسلحين في هذه المنطقة محاصرين بمعنى الكلمة، إذ بقي لها منفذان رئيسيان استمر الدعم عبرهما هما: منفذ بلدة عرسال اللبنانية، الذي يؤمن جميع المستلزمات اللوجستية وحتى العسكرية، والمنفذ الجغرافي عبر مسارب رأس المعرة- رأس العين، المارة من جبال الطفلة اللبنانية، التي تربط مناطق سيطرة هذه المجموعات في القلمون بمنطقة الزبداني، ويتم عبرها توريد الأسلحة والمواد الغذائية والطبية.

معظم مدن وبلدات منطقة القلمون حررت على ثلاث مراحل هي قارة ومحيطها، يبرود ومحيطها، معلولا ومحيطها. وأدى تقدم الجيش السوري وعناصر حزب الله الواسع في منطقة القلمون إلى تشرذم الفصائل المسلحة في جرود هذه المنطقة الجبلية القاسية ليعودوا وينضووا تحت التنظيمين المسيطرين حالياً (جبهة النصرة) و(تنظيم الدولة الاسلامية).

لكن السؤال الذي بقي يُقلق القادة العسكريين في الجيش السوري وحزب الله، هو كيف سيتم التخلص منهما بعد أن تمركزت عناصرهما في أصعب المناطق الجغرافية في القلمون؟، الجواب بدأ قبل أسبوع مع انطلاق معركة استرداد القلمون نهائياً، عندما أغارت الطائرات السورية بكثافة في الـ 20 من هذا الشهر على مواقع لعناصر (جبهة النصرة) في مرتفعات الضليل في جرود فليطة السورية، على الحدود مع جرود عرسال اللبنانية، تلاها هجوم واسع لعناصر من حزب الله على محاور القنزح، وضهر الهوى، وشعبة النحلة، ومرتفعات عقاب، ووادي الخيل.

وفي الـ 21 من الشهر نفسه سيطر المهاجمون على تلة البركان، ومرتفع ضليل الحاج، ومرتفع حرف الصعبة ضمن الأراضي السورية، وضهرة الهوة وموقع تفتناز في جبل القنزح ضمن الأراضي اللبنانية.

في التقييم العسكري واللوجستي تبدو المعركة في صالح الجيش السوري وحزب الله، وحتى لو تحالفت عناصر (جبهة النصرة) و(تنظيم الدولة الإسلامية) معاً فإن النتيجة لن تتغير، فالطرف المهاجم قد استعد جيداً للمعركة، يساندهما الجيش اللبناني الذي حصن مواقعه هو الآخر بشكل جيد لمنع أي محاولات للتسلل أو الاختباء في مخيمات النازحين السوريين، قرب بلدة عرسال، التي من شأنها أن تعقد مسار المعركة بدرجة كبيرة.

إن عودة منطقة القلمون إلى يد الجيش السوري سينهي حلقة مؤلمة من الحرب في سورية، وسيخفف المخاطر الأمنية بدرجة كبيرة على العاصمة دمشق.

العدد 1105 - 01/5/2024