آفاق اتفاق خفض التوتر في المنطقة الجنوبية الغربية

أشرنا، في مقالتنا الموسومة بـ: (السياسة الأمريكية… شلل استراتيجي وعجز تكتيكي) والمنشورة في هذه الصحيفة المحترمة في عددها 773 الصادر بتاريخ 20 حزيران 2017،  إلى حساسية المنطقة الجنوبية الغربية، وإلى العجز الأمريكي عن تغيير الوضع الراهن فيها، خوفاً من انزلاق الصراع باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة وبالتالي التهديد المباشر لأمن الكيان الصهيوني.

ولقد جاء مؤيداً لهذا الاستنتاج الاتفاقُ الثلاثي الروسي- الأمريكي- الأردني، الذي أُعلن عنه خلال قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في مدينة هامبورغ الألمانية في 7 تموز 2017.

وقبل الشروع في تحليل الجوانب المختلفة لهذا الاتفاق، وانعكاساته المستقبلية على الأزمة السورية من جهة، وعلى الصراع العربي- الإسرائيلي من جهة ثانية، لا بد من الإشارة إلى تلك الأصوات والأقلام المأجورة، التي سارعت  إلى القول أو الكتابة بأن هذا الاتفاق هو ترجمة مباشرة للمطالب الإسرائيلية، بل وصلت الجرأة ببعضهم  إلى تسمية هذه المنطقة بـ(المنطقة الآمنة الإسرائيلية)، في إشارة  إلى وجود اتفاق سري بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على ضمان أمن إسرائيل، بمعزل عن الدولة السورية، على الرغم من أن هذا الاستنتاج لا تدعمه الوقائع على الإطلاق، وسنقوم بتفنيده في سياق مناقشتنا لهذا الاتفاق.

كما لا بد من الإشارة إلى أن هذا الاتفاق تبلور نتيجةً لمباحثات مستفيضة بين الجانبين الروسي والأمريكي، ولا يمكن أن يكون، بشكلٍ من الأشكال، وليد اجتماع ودّي لتبادل المجاملات بين زعيمي البلدين، على هامش قمة العشرين.

مما لا شك فيه أن الغاية الأمريكية من هذا الاتفاق تعكس حقيقةً واضحةً للجميع وهي ضمان أمن إسرائيل، بإبعاد إيران وقوى المقاومة عن هذه المنطقة، إلا أنّ هذا الموقف الأمريكي يخفي خلفه أيضاً عدة حقائق هامة، لا بد من الإسهاب في التعبير عنها:

1.   عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن تنفيذ مخططاتها في إقامة منطقة عسكرية كبيرة في الشرق السوري، بغية قطع التواصل البري بين إيران وسورية عبر العراق، ولقد أشرنا إلى الصعوبات اللوجستية الكبيرة التي تواجه مثل هذا المشروع.

2.   اضطرار الولايات المتحدة الأمريكية إلى السير خلف الاستراتيجية الروسية في اتفاق المناطق الآمنة، وهذا يعكس حالة العجز والشلل التي أصابت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن استنفدت كل الحيل والطرق والوسائل، المشروعة وغير المشروعة، في إحداث تغييرات ملموسة على الأرض السورية.

3.   الاعتراف الأمريكي الضمني بقوة النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط.

4.   اضطرار الأردن وإسرائيل إلى اللجوء إلى روسيا في حل مشاكلهم الإقليمية، بسبب علاقتها الجيدة مع إيران.

5.   نجاعة الدبلوماسية الروسية في حل النزاعات الإقليمية، والثقة المتزايدة في مقاربتها وقراءتها للأحداث الجارية.

وعلى الرغم من أن روسيا شريك أساسي في هذا الاتفاق، إلا أنّنا لا نرى في اتفاقها مع الأطراف المعنية تواطؤاً ضد الدولة السورية لحماية أمن الكيان الصهيوني، كما يحلو لبعض الباحثين والمحللين أن يقول، بل على العكس تماماً، نرى في شراكتها استكمالاً لتنفيذ اتفاق المناطق الآمنة، التي ستؤدي إلى عودتها تدريجياً إلى حضن الوطن، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الوجود الروسي في هذه المنطقة الحساسة سيؤدي إلى تعزيز فرص تحقيق السلام وتسوية النزاع العربي- الإسرائيلي بشقيه اللبناني والسوري.

إضافة إلى ما سبق، فإن استمرار الولايات المتحدة الأمريكية بفرض العقوبات ضد روسيا، والرد الروسي الأخير بطرد 755 دبلوماسياً أمريكياً، حتى بعد توقيع هذا الاتفاق، والمشهد برمته لا يوحي بوجود تحسّنٍ في العلاقات بين البلدين، يؤكد صواب تحليلنا للموقف الروسي من هذا الاتفاق.

أما استبعاد قوى المقاومة من هذه المنطقة، فلا أهمية له على الإطلاق من الناحية العسكرية والاستراتيجية، فصواريخ المقاومة قادرة على دكِّ عمق الكيان الصهيوني، كما أن القانون الدولي يعطي للشعوب الحق في مقاومة المحتل واستعادة الأراضي المغتصبة.

وروسيا، التي عادت إلى الساحة الدولية من بوابة الشرق الأوسط، أكّدت غير مرة أن المظلة الوحيدة لحل جميع المشاكل الدولية والإقليمية هي القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لن تقف إلى جانب دولة مارقة، تحتل أراضي الغير، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة جهاراً نهاراً، وتمارس إرهاب الدولة المنظّم ضد الشعب الفلسطيني، لذلك، فإن روسيا لن تدافع عن الكيان الصهيوني في حال اندلاع أي مواجهة بينه وبين قوى المقاومة في المنطقة.

إننا نعتقد بأن روسيا، من خلال علاقاتها المتوازنة والمؤثرة مع جميع دول الشرق الأوسط، ستسعى، في المرحلة القادمة، إلى استئناف محادثات السلام، على قاعدة ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، كما أننا نعتقد بأن الضمانة الروسية في مثل هذه المحادثات، فيما لو بدأت، ستكون ناجعة ومثمرة.

بعد هذه التحليل المقتضب، يتبين لنا من جديد عمق القراءة الروسية لأحداث المنطقة ودقة مقاربتها لها، على الرغم من وجود بعض الأصوات المعارضة والمشكّكة، إلا أن هذه الأصوات أصبحت أقل بكثير مما كانت عليه إبان اندلاع الأزمة السورية.

العدد 1104 - 24/4/2024