هل ستتحقق الوعود لمزارعي الحمضيات في طرطوس؟!

تنتابك الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، وأنت تعبر بساتين الحمضيات المنتشرة في العديد من المناطق الزراعية في طرطوس، أسئلة عن السبب الذي جعل بعض مزارعي هذه المادة يقتلعون اشجارها ويستبدلون بها زراعات أخرى؟!

أسباب عديدة

وقد أجمع مزارعو هذه الشجرة الخيّرة على أن الدولة تتحمّل قسطاً من المسؤولية عن تردي أوضاعهم وضياع إنتاج بساتينهم، لأسباب قالوا إنهم تحدثوا عنها مراراً وتكراراً لأكثر من منبر إعلامي ومسؤول، ولكن دون أية نتيجة تذكر!

في إحدى قرى منطقة صافيتا التقينا بعدد من مزارعي الحمضيات، وقد تحدثوا إلينا بكثير من المرارة، عن تهميش مطالبهم وعدم سماع صرخاتهم التي أطلقوها منذ أعوام عدّة، والتي تتحدث عن جملة من المشاكل المتكررة التي تعترض عمليات تسويق مادة الليمون.

السموم والرشوش

السيد آصف عباس تحدث عن ذلك قائلاً: أنا شخصياً لست مع المبيدات السامة لأن قسماً من هذه المبيدات لابدّ أن يتسرب إلى داخل الثمرة، وبالتالي سيؤثر سلباً مع مرور السنوات على متناولي هذه الفاكهة، وقد جرّبت عدم رش الأشجار بالمبيدات وكانت النتيجة اختفاء بعض الحالات التي كنت ألمسها بين عام وآخر. لقد اعتمدت في المكافحة على الأعداء الحيويين التي تنتجها الدولة في مختبرات وزارة الزراعة. وأستغرب – يضيف السيد آصف – عدم اعتماد الوزارة على هذه الطريقة في المكافحة بشكل أساسي، وخصوصاً تلك التي تهاجم ذبابة الفاكهة التي تعتبر من أشد الحشرات فتكاً بالحمضيات وببقية الفواكه.

أمّا السيد مدحت علي (من الدريكيش، وهو يملك بستاناً من الحمضيات يقدر عدد الأشجار المثمرة فيه بأكثر من سبعمئة شجرة مثمرة) فيقول بأن المبيدات تتحكم بها الصيدليات الزراعية سواء من حيث السعر أم من حيث المادة، دون أن نعلم ما إن كان تاريخ الصلاحية صحيحاً أم مزوّراً!!

السماد

وفي هذا السياق يضيف السيد آصف إن الشجرة تحتاج إلى السماد سنوياً، وقد كان أجدادنا يعتمدون على السماد الطبيعي (روث الحيوانات)، ولكن بعد انحسار تربية الماشية من قبل المزارعين لأسباب عديدة، فإننا نلجأ إلى السماد الكيماوي الذي تؤمنه وزارة الزراعة في مستودعاتها، وكنا نعاني في الحصول على هذه المادة سابقاً، أعتقد أن الأوضاع التي تمرّ بها البلاد قد كانت سبباً في ذلك، ولكن هذا العام الاوضاع مبشّرة بفضل انتصارات جيشنا.

التسويق

بالنسبة للواقع الزراعي فإنه يصحّ أن نقول للحكومة: (أسمع كلامك أصدّق، أشوف أمورك أستغرب!)، فالصعوبات التي تعترضنا- يضيف السيد أبو ياسر- ليست جديدة بل هي قديمة وتتكرر معنا كل عام، وأنا سأضرب لك مثلاً: إذا كان الطن الواحد من الليمون يكلفني أكثر من 1000 ليرة ثمناً للسماد وللمبيدات ولأجور العمال وللنقل من البستان إلى السوق وثمن العبوات سواء أكانت من البلاستيك أو من مادة الفلين، في ظل تذبذب الأسعار بين يوم وآخر، فلماذا لا تصدر الحكومة تسعيرة للحمضيات تتناسب مع ما ينفقه الفلاح وتؤمّن له تلك التسعيرة دخلاً عادلاً؟! ولماذا لا تقدّم الدولة مثلاً العبوات بدلاً من تحكّم تجّار السوق بها وبأسعارها، لأنه من غير المعقول أن يصل سعر الفلينة فارغة هذا الموسم إلى 75 ليرة أو أكثر.

في سوق الهال يتذرعون بعدم وجود شحن أو تسويق، لكنني فوجئت بأن ما بعته العام الماضي بمبلغ 15 ليرة للكيلو الواحد كان يباع في السوق بحدود 50 ليرة تقريباً! أين التموين؟ وأين مراقبة الأسواق؟ وأين حماية المستهلك؟!

الوحدات الإرشادية

ينحصر عمل عناصر الوحدات الإرشادية بتقديم المضادات الحيوية، والمُزارع مُجبر على البحث عن الصيدليات الزراعية التي يعمل بها أناس لا علاقة لهم بالزراعة أو بالمكافحة أحياناً. وهنا يتساءل السيد أبو ياسر عن عدم قيام عناصر هذه الوحدات بزيارات ميدانية إلى بساتين الحمضيات للوقوف على الآفات والأمراض التي تداهم بساتينهم وعندئذٍ يتمكنون من تشخيص الإصابة على أرض الواقع بشكل صحيح. وما هو المانع من وجود الدواء (المبيد) في الوحدات الإرشادية؟ ولماذا لا تقوم تلك الوحدات بتقديمه بأسعار مشجعة للمزارع بدلاً من ترك الأمر بيد صاحب الصيدلية الزراعية ليتحكّم بالأسعار كما يريد؟! وهذا ما أكده أيضاً السيد مدحت علي الذي تساءل أيضاً عن عدم قيام مديريات الزراعة والوحدات الإرشادية بتوزيع المبيدات على المزارعين بأسعار تشجيعية، منعاً لتحكّم الصيدليات الزراعية الخاصة بالأسعار!

اجتماع وقرارات مهمة

خلال اجتماع في مبنى محافظة طرطوس برئاسة السيد محافظ طرطوس الأستاذ صفوان أبو سعدى، وضم عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة والتموين ومدير التموين والتجارة الداخلية، ومدير فرع السورية للتجارة بطرطوس، ورئيس اتحاد الفلاحين بالمحافظة، ومدير الزراعة، ومدير سادكوب، نوقش واقع مزارعي الحمضيات هذا العام وكيفية البدء باستجرار مادة الحمضيات من الفلاح بطريقة مختلفة عن الأعوام السابقة، وإذا نفّذت ستلاقي عند الفلاح كل الرضا والقبول وتعوّضه عن سنوات من المعاناة مع التسويق، ويمكننا ان نلخص تلك القرارات بما يلي:

1- استجرار كل ما يمكن استجراره من الحمضيات من الإخوة الفلاحين لصالح السورية للتجارة وبسقف مفتوح.

2- اعتماد ثلاثة خطوط فرز تقع في المناطق التالية: (سمكة – راس الشغري – موقع السورية للتجارة في ابو عفصة بطرطوس).

3- اعتماد أسعار الحمضيات على الشكل التالي: الصنف الأول سعر الكيلو غرام الواحد 90 ليرة سورية، وللصنف الثاني سعر الكيلو غرام الواحد 70 ليرة سورية، فيما حدّد سعر الصنف الثالث للكيلو غرام الواحد بمبلغ 50 ليرة سورية.

4- يتم تسعير كل الأصناف في فترة القطاف وتحدد أسعارها من قبل اللجنة المركزية لاحقاً.

5- تحديد سعر فرز للكيلو غرام الواحد ضمن الخطوط بـ 4 ليرات سورية، ويشمل الفرز والعتالة والتعبئة.

6- تأمين سيارات شاحنة من الشركات العامة لنقل محصول الإخوة الفلاحين من المادة من الحقل مباشرة إلى مراكز التوضيب.

7- وجّه السيد المحافظ مدير السورية للتجارة للالتزام بتسديد قيمة الوقود اللازم للسيارات الشاحنة العامة عند نقل المحصول إلى مراكز التوضيب.

8- تم تكليف مدير فرع محروقات طرطوس بتأمين صهريج بشكل يومي بإشراف عضو المكتب التنفيذي المختص لقطاع الزراعة، لتعبئة السيارات الناقلة للمحصول في مراكز التوضيب بكمية 30 لتراً فقط يومياً.

كلمة لابد منها

على الحكومة أن تنظر إلى الفلاح بعين المساعدة والرحمة، وأن تضع القوانين والأسعار التي تتلاءم مع ما ينفقه وتكفل له الحياة الجيدة بعيداً عن المنغصات اليومية أو الموسمية.. والفلاح الذي يقضي أوقاته بين الأشجار والصيدليات الزراعية وفي الأسواق لا يستطيع أن يتلقى الصدمات من كل حدب وصوب، وهو الذي يعتمد على ما تنتجه أرضه بشكل أساسي كي يعيل أفراد أسرته!

ويبقى لنا أن نسأل السيد رئيس الحكومة ووزير الزراعة عن وعودهم التي أطلقوها أثناء زيارتهم هذا العام لطرطوس، فيما يتعلق بالموافقة الفورية على أي مشروع لإقامة معمل للعصائر الطبيعية في المحافظة!!

العدد 1105 - 01/5/2024