الدور الخفي لأمريكا وإسرائيل في استفتاء إقليم كردستان

بدأ الاهتمام الأمريكي والإسرائيلي بإقليم كردستان العراق يتزايد منذ عام ،1979 بعد سقوط الشاه في إيران وقيام الثورة الإسلامية هناك، ولقد صدرت العديد من الدراسات والبحوث والتقارير عن الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية حول هذه القضية.

ففي الكيان الصهيوني، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحةً عن دعمه لهذا الاستفتاء وقيام الدول الكردية المستقلة، ونظراً لحساسية هذه القضية بالنسبة للعلاقات التركية-الإسرائيلية المضطربة، فلقد امتنع الكثير من المسؤولين الإسرائيليين عن التعليق على هذا الموضوع لعدم إغضاب تركيا. إلا أن العلاقات العسكرية والاستخباراتية والروابط التجارية بين إسرائيل والأكراد تعود إلى الستينيات، فقد كان يُنظَر إلى الأكراد، وهم الأقلية العرقية المنقسمة بين العراق وتركيا وسورية وإيران، كمخزن ضد الأعداء المشتركين، هذا إضافة إلى وجود العديد من المهاجرين اليهود الأكراد في إسرائيل.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فلقد صدرت العديد من البيانات والتصريحات، قبل الاستفتاء وبعده، سواء من البيت الأبيض أو من وزارة الخارجية الأمريكية، التي عبّر فيها مصدروها عن رفضهم لاستفتاء الانفصال.

ففي بيان صحفي للبيت الأبيض، صادر بتاريخ 15 أيلول ،2017 جرى التأكيد أنه (لا تدعم الولايات المتحدة حكومة كردستان المحلية في نيتها إجراء استفتاء في وقت لاحق من هذا الشهر. ولقد أكدت الولايات المتحدة على قادة إقليم كردستان أن الاستفتاء سيؤدي إلى تشتيت الجهود المتعلقة بهزيمة داعش واستقرار المناطق المحررة. كما يعتبر إجراء الاستفتاء، خصوصاً في المناطق المتنازع عليها، استفزازاً وزعزعة للاستقرار. لذلك نحن ندعو حكومة كردستان المحلية إلى إلغاء الاستفتاء والدخول مع بغداد في حوار جاد ومتواصل، ولقد أبدت الولايات المتحدة بشكل متكرر استعدادها لتسهيله).

وفي بيان صحفي لوزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيليرسون، بتاريخ 29 أيلول ،2017 قال: (لا تعترف الولايات المتحدة بالاستفتاء أحادي الجانب الذي قامت به حكومة كردستان المحلية يوم الاثنين. إذ إن التصويت والنتائج يفتقران إلى الشرعية، ونحن مستمرون بدعم العراق الموحد، الفيدرالي، الديمقراطي والمزدهر)؛ وأضاف أيضاً أن الاستقرار والازدهار (لا يمكن بلوغهما بإجراءات وحيدة الجانب مثل هذا الاستفتاء).

في الواقع، لا يمكن للخبير بالسياسة الأمريكية أن ينخدع بهذه البيانات والتصريحات المائعة، والتي لا تمثل سوى ذرٍ للرماد في العيون، فالمراقب للأحداث يدرك أن حكومة كردستان أجرت الاستفتاء باطمئنان كبير رغم كل التحذيرات الموجهة إليها، ولو لم يكن الأمر كذلك لما أقدمت على هذه الخطوة الخطيرة، ولما أصرّت على توقيتها أيضاً، الأمر الذي يعكس خفايا وخبايا الموقف الأمريكي من الاستفتاء، وأن ما يحاك تحت الطاولة لا يتطابق مع ما يجري تصديره إلى الإعلام.

علاوة على ذلك، فلقد صدرت العديد من التصريحات من أطراف أقل فعالية في صناعة القرار الأمريكي، وعلى الرغم من قلة فعالية هذه الأصوات، إلا أنها تعكس جانباً هاماً في الموقف السياسي الأمريكي، نذكر بعضها:

-أيد الزعيم الإنجيلي فرانكلين غراهام الاستفتاء ودعا ترامب إلى احترام نتائجه؛

-دعم السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان؛

-وفي تصريح لزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، الديمقراطي شارلز شومر، أكد أن الأكراد (يجب أن ينالوا دولة مستقلة في أقرب وقت ممكن)، وأضاف واصفاً الكرد بأنهم (الشريك الأقوى والأكثر دعماً لنا، على الأرض، في حربنا ضد الإرهاب)؛

-ولقد انتقد ريان كروكر، السفير الأمريكي السابق في العراق، موقف بلاده الرافض للاستفتاء في إقليم كردستان.

وهكذا، يبدو بوضوح تعدد الآراء في الأوساط السياسية الأمريكية، وهي تتوزع بين الرأي الرسمي الأمريكي المعارض لقيام الاستفتاء، والرأي (شبه الرسمي) المؤيد، والقضية برمتها تظهر وكأنها عملية تحضير نفسي للرأي العام العالمي حول المسألة الكردية.

وبعيداً عن نظرية المؤامرة، التي قد تؤدي إلى فقدان الموضوعية في التحليل، يعتبر التشتت السابق في الآراء طبيعياً في أي دولة أو مجتمع عند مقاربة أي قضية داخلية أو خارجية. ولكن لدينا الكثير من القرائن التي تجعلنا على يقين كبير بأن الولايات المتحدة دعمت هذا الاستفتاء ودفعت باتجاه إجرائه، أهمها:

-منذ عام ،1991 بدأ التعاون العسكري والسياسي بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والأكراد يتطور شيئاً فشيئاً، وبالتالي فإن هذا التاريخ هو بداية تشجيع كردستان على الانفصال عن العراق؛

-ستتحول الدولة الكردية الموعودة إلى مركز نفوذ قوي للولايات المتحدة، خاصةً بعد فقدانها لأوراق القوة على الساحتين السورية والعراقية، وهذا ما يمنحها آفاقاً جديدةً للمناورة والضغط على إيران وروسيا.

في الواقع، تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن استقلال إقليم كردستان لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، وما هذا الاستفتاء سوى بداية الطريق، لذلك هي تحاول التوفيق في تصريحاتها بين حكومة بغداد المركزية وحكومة إقليم كردستان، إلا أن نشاطها العسكري في إقليم كردستان ودعمها الكبير لقوات البيشمركة يؤكد أنها الداعم الأساسي للاستفتاء، وتصريحاتها المتناغمة مع موقف بغداد ما هي سوى استرضاء لها ورمي للكرة في ملعب الشعب الكردي، الذي تمثل موافقته على الانفصال إحراجاً للجميع.

من هنا، علينا ألا ننخدع بهذه التصريحات، التي تفوح منها رائحة الكذب والتضليل، فالمناورات والمقامرات السياسية الأمريكية لا تنتهي، وحبائل مكائدها منصوبة باستمرار على أراضي الدول الأخرى! لذلك، فعلى دول المنطقة أخذ زمام المبادرة في الموضوع الكردي، وفتح حوار جادٍّ مع الأكراد لحل هذه المسألة، قبل أن يجدوا أنفسهم وقد وقعوا في كمين خطير قد يصعب الخروج منه إلا بأثمانٍ مرتفعةٍ جداً.

العدد 1104 - 24/4/2024