الأوضاع الاقتصادية والأمنية والخدمية في حلب بعد عام عام على تحريرها

شهد الوضع الأمني بعد استكمال تحرير حلب تحسناً كبيراً، فقد ارتاحت المدينة من قذائف الموت والدمار، بعض الأحياء تحسن بشكل جيد والبعض أصبح آمناً بنسبة تقارب 100% وخاصة مركز المدينة والأحياء الشرقية، وهذا أدى إلى عودة آلاف العائلات إلى مناطقهم من مناطق نزوحهم المختلفة.

وانعكس هذا الأمان الملموس على حركة الناس وأنشطتهم سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، فالأعياد التي مرت خلال عام 2017 شهدت نشاطاً كبيراً اشتاقت إليه أسواق حلب وشوارعها بكل ما تعنيه من بهجة وارتياح.

ساهم في ذلك أيضاً الإجراءات التي قامت بها محافظة حلب بالتنسيق مع اللجنة الأمنية والعسكرية المسؤولة عن الوضع الأمني في المدينة من فتح طرق وإزالة حواجز، مما انعكس تخفيفاً لاختناقات السير وتسهيلاً لحركة وسائل النقل، إضافة إلى خلاص الأهالي من ممارسات بعض عناصر هذه الحواجز غير المنضبطة من إزعاج الناس وابتزازهم، وخاصة عند نقلهم أي قطعة أثاث منزلي أو بضائع وسلع توزع على الأسواق والمتاجر.

الواقع الخدمي

لا نستطيع أن نقارن أو أن نجمل الواقع الخدمي للأحياء التي ظلت تحت سيطرة الدولة ومؤسساتها طيلة فترة الأزمة، مع الأحياء التي حررت منذ نحو عام، لأن نسبة الدمار في الأحياء المحررة سواء في البنية التحتية أو المرافق والأبنية العامة والخاصة كبيرة جداً.

لذلك سنتحدث أولاً عن واقع المناطق المحررة (المنكوبة).

حين نشاهد مظاهر الدمار الهائل الذي حل بهذه الأحياء، وخاصة حلب القديمة بأسواقها وخاماتها وجوامعها وحماماتها وبيوتها، نستطيع القول إنها الخسارة الحضارية والتاريخية الأكبر والأكثر تأثيراً في وجدان أهالي هذه المدينة.. ولأن حلب القديمة كانت شوارعها مناطق تماس بين قوات جيشنا والإرهابيين، فقد شهدت أشد المعارك والأعمال الحربية، عدا التخريب والحرق المنظم، إضافة إلى السرقة تنفيذاً لأوامر مشغيلهم في تدمير حضارة مدينة هي إحدى المدن المصنفة ضمن المدن التاريخية للتراث الإنساني العالمي الذي يمتد تاريخه لآلاف السنين. لن نفصّل في نسب الدمار للأحياء الأخرى، ولكن سنتحدث عن مشاهداتنا لبعض وقائع ما نفّذ من خدمات، لأن الموضوع مازال في البدايات.

 وبالنسبة لإعادة إعمار الأحياء المدمرة:

حتى الآن لا يوجد رؤيا واضحة حول إعادة إعمارها، خاصة المدينة القديمة ومناطق المخالفات، وهي كثيرة جداً.

ما صرف من مبالغ تمت بصلة لإعادة الإعمار في حلب خلال 2017 هي: 32 مليار ليرة سورية تخص أعمالاً مثل ترحيل الأنقاض، فقد رحل من الشوارع الرئيسية وبعض الشوارع الفرعية أكثر من مليون م،3 كما شملت أيضاً تأهيل الصرف الصحي لبعض الشوارع وأعمال تزفيت وترميم أرصفة لبعضها، وأعمال تخص الكهرباء مثل ترميم شبكات وإصلاح محطات تحويل ومباني الصحة والمدارس وأقسام الشرطة.

وكان التركيز في هذه الأعمال على مدينة هنانو السكنية التي أُعيد تأهيلها كبنية تحتية، وتبلغ نسبة السكن فيها 25% تقريباً.

وجرت صيانة بعض المدارس، لكن مازالت بحاجة إلى أساسيات مثل النوافذ والأبواب وغيره. وبالنسبة للشبكة الكهربائية ومحطات التحويل، فإنها تعرضت لدمار كبير وسرقة الكثير من مكوناتها من أجهزة وكبلات، فمثلاً يجب العمل على إعادة تأهيل بشكل كامل لـ2000 مركز تحويل من أصل 4000 مركز تحويل موجودة أساساً في المدينة؟

وبالنسبة لمراكز البريد والهاتف الأرضي، مازالت كل مراكز البريد في هذه المناطق على حالها، أي لم يبدأ العمل فيها بعد، لذلك لا وجود للاتصالات الأرضية في كل هذه الأحياء.

ويعتمد سكان هذه المناطق منذ أكثر من خمس سنوات على الاتصالات الخلوية، وتقوم الشركتان (سيريتل) و(أم تي أن) بنصب أبراج جديدة لتخديم هذه المناطق.

وبالنسبة لوسائل النقل، فقد أصبحت متوفرة بشكل مقبول، بعد تخصيص باصات نقل للقطاعين العام والخاص، إضافة إلى وجود السرافيس لتخديم النقل من هذه الأحياء وإليها.

الواقع الصحي في هذه المناطق سيئ، عدد الأطباء قليل جداً، وأيضاً الصيدليات قليلة ولا يوجد مشافي، ولم يبدأ تأهيل أغلب المراكز الصحية العائدة لمديرية الصحة.

مياه الشرب: إن مشكلة المياه هي أفضل حالاً من الشبكة الكهربائية، فهي لم تتعرض للتدمير بشكل عام، وهي بحاجة إلى صيانة على مستوى بعض الشوارع في بعض الأحياء، وتقوم مؤسسة المياه وبلدية حلب بصيانات وتأهيل شبكات المياه لإيصالها في الشوارع التي تأوي سكاناً، بينما لوحظ إهمال في إغلاق مياه الشرب التي تهدر في بعض الأماكن المدمرة وخاصة في حلب القديمة.

 

 بالنسبة للأحياء التي بقيت تحت سيطرة الدولة خلال الأزمة:

الواقع الخدمي

المياه: تحسنت بشكل كبير في هذه الأحياء، فبعضها يشهد تقنيناً مقبولاً، إضافة إلى تحسن في قوة الضخ، وفي بعض الأحيان لا تنقطع عنها مياه الشرب إلا فترات قصيرة، ونستطيع القول إن الأهالي تخلصوا من حمل بيدونات الماء التي استهلكت من صحتهم ووقتهم الكثير مثلما استنزفت سوتيرات تعبئة المياه الخاصة جيوبهم المثقلة أصلاً بغلاء كل شيء.

الكهرباء

شهد وضع تغذية هذه الأحياء بالتيار الكهربائي تحسناً كبيراً خلال هذا العام، فقد وصل متوسط ساعات ورود التيار الكهربائي للمنازل من 8 إلى 12 ساعة يومياً، لكن جهد التيار مازال ضعيفاً أحياناً، يتدنى إلى 140 فولت، وهذا يؤثر على سلامة الأجهزة الكهربائية في المنازل ويحتاج إلى معالجة سريعة من قبل مؤسسة الكهرباء.

هناك أخبار مبشرة يتم تداولها عن قرب إنجاز تركيب محطات كهربائية ستوفر كمية إضافية، بحيث يستعيض الناس عن الاشتراك المكلف جداً بمولدات الأمبير المنزلية والتجارية أو المولدات الخاصة التي أرهقت المواطنين مادياً، وخاصة بعد تضاعف أسعارها مع ارتفاع أسعار الوقود عدة مرات خلال سنوات الأزمة.

وهنا لابد أن نشير ونشيد بالتحسن الكبير في إنارة الشوارع وصيانة وتشغيل الإشارات الضوئية الطرقية التي ساهمت في تخفيف اختناقات السير والتقليل من الحوادث، وتعمل مؤسسات الدولة على نصب 2000 عمود للإنارة الطرقية داخل المدينة مجهزة بمصابيح (ليد) تعتمد على الطاقة الشمسية قدمتها إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة كمعونة.

حول مصادر الطاقة الأخرى

شهدت انفراجاً ملموساً هذا العام بالنسبة لأسطوانات الغاز المنزلي، فقد أصبح متوفراً بشكل مقبول وبالتوزيع المباشر ودون بطاقات التوزيع الخاصة بهذه المادة.

كما جرى تأهيل وفتح عدة محطات تعبئة الوقود (كازيات) مثل بارون والصاخور والشعار وغيرهم، مع توفر جيد لمادة البنزين وزيادة ساعات عمل الكازيات يومياً.

وبالنسبة لتوزيع المازوت المنزلي (مازوت التدفئة) فقد انتهت أغلب لجان الأحياء من توزيع الحصة 200 ليتر لكل عائلة، مع العلم أن هناك الكثير من العائلات استنكفت عن التعبئة بسبب الغلاء الكبير لمادة المازوت، إذ تعجز كثير من العائلات عن دفع 37000 ليرة سورية بشكل مباشر لتعبئة مخصصاتها من هذه المادة.

وهنا نشير إلى الدور الفعال لرفاقنا الموجودين في لجان بعض الأحياء في المساهمة بضبط عملية التوزيع وعدم التلاعب بها.

الواقع الصحي

لقد تحملت مشافي الدولة الموجودة في هذه المناطق عبئاً ثقيلاً، فكلٌّ من مشفى الرازي ومشفى الجامعة شكلا إحدى دعامات الصمود في مدينتنا البطلة، بتقديم الخدمات الطبية بكل أنواعها الإسعافية والجراحية حتى المعقدة لجميع جرحى الإرهاب الأسود، سواء من مدنيين وعسكريين، إضافة إلى عمل المشافي الأخرى (المشفى العسكري وابن رشد ومشفى الشرطة والهلال الأحمر).

طبعاً مع وجود عدد جيد من المشافي الخاصة التي أغلبها ظل يعمل في سنوات الحرب رغم النقص في الكوادر الطبية التخصصية نتيجة للهجرة.

وقدمت المراكز الطبية التابعة لمديرية الصحة طيلة هذه السنوات خدماتها الطبية للمواطنين، وخاصة اللقاحات لكل أطفال المدينة وبشكل منتظم، ونشير أيضاً إلى دور مستوصفات بعض الجمعيات الخيرية ودورها في تمويل بعض العمليات الجراحية المكلفة مثل جمعية الإحسان وكاريداس والتآلف وغيرهم.

الواقع الصناعي في حلب

تاريخ مدينة حلب في الصناعة عريق ومعروف على مستوى المنطقة العربية وغيرها، ووصلت بضائعها المصدرة قبل الحرب على سورية إلى أكثر من ستين بلداً.

فهي تحوي عشرات الآلاف من المنشآت الصناعية، والآن وبعد الدمار الهائل إضافة إلى السرقة المنظمة لأغلب آلات هذه المنشآت، بدأ بعض الصناعيين وخاصة بعد استرجاع منطقة الشيخ نجار الصناعية بإعادة تأهيل معاملهم ومنشآتهم الصناعية بأموالهم الخاصة، وخاصة في منطقة الشيخ نجار والعرقوب، وبلغت المنشآت التي تعمل حتى الآن بحسب أرقام غرفة الصناعة بحلب إلى 940 منشأة تتوزع بشكل رئيسي على الصناعات النسيجية ثم الغذائية والكيميائية وغيرها، مع تحسن في عدد الورش التي فتحت وخاصة في حي الجابرية والحميدية والأشرفية كنتيجة مباشرة لتحسن الوضع الأمني في هذه الأحياء، وخاصة ورش الخياطة والتطريز وطباعة الألبسة والأحذية والموبيليا والمفروشات والورش التي تعمل الآن في حلب بعد استقرار جيد للمدينة (8000 ورشة)، وهنا نذكر أهمية تحسن وضع التيار الكهربائي في تشجيع آخرين من الصناعيين وأصحاب الورش على إعادة تأهيل معاملهم وورشهم، والمواطنون ينتظرون أن ينعكس ذلك على أسعار هذه المواد المصنعة، باتجاه الانخفاض التدريجي لها.

العدد 1105 - 01/5/2024