ما بعد مؤتمر سوتشي غير ما قبله

تحت شعار (السلام للشعب السوري) انعقد مؤتمر سوتشي في الموعد المقرر له، وبحضور متميز تعدى 1600 شخص يمثلون كافة شرائح المجتمع السوري بفئاته وأحزابه ومنظماته الشعبية وفعالياته ومجتمعه المدني، رغم كل العراقيل التي وضعتها أمامه الولايات المتحدة والدول الأوربية الحليفة لها وممالك ومشيخات الخليج والأردن.
ومن هذه العراقيل أو بالأحرى آخرها، الإيعاز إلى عملائها ممن يسمونهم (معارضة خارجية) لاسيما منها معارضة الرياض، بمقاطعة المؤتمر، بناء على أوامر خاصة من محمد بن سلمان وعادل الجبير، علماً بأن روسيا وجهت إليهم دعوة رسمية، وقبل ذلك الإجراءات الأمريكية الأخرى  التي سبقت انعقاد المؤتمر، ومنها التئام ما سميت مجموعة (متساوي التفكير فيما يخص سورية)
المؤلفة من الدول الخمس (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن)، وتجديد العقوبات على سورية، وإعادة الحديث عن السلاح الكيماوي، وتحريض المندوب الأممي ديمستورا على عدم حضور المؤتمر، كل ذلك جاء كمحاولات لمنع عقد هذا المؤتمر.

لكن رغم كل ذلك انعقد المؤتمر وخرج بقرارات وتوصيات مهمة ستشكل نقطة انطلاق حقيقية على طريق إنجاز تسوية سلمية للأزمة السورية، وترتكز على قاعدة الالتزام بسيادة سورية واستقلال قرارها الوطني، والمحافظة على الجيش والقوات المسلحة،
وعلى دورها المحدد في الدستور في مجال الدفاع عن البلاد وتعزيز أمن المواطنين في الداخل.

وبعد يومين من المناقشات المستفيضة والحوار الجاد، صدر عن المؤتمر بيان رسمي ختامي.. فما هي أبرز النقاط في هذا البيان؟ هذا ما سنتطرق إليه فيما يلي:

– الالتزام من قبل المشاركين وكممثلين لكل شرائح المجتمع السوري بسيادة سورية على أراضيها، وعدم التنازل عن أي شبر منها، بما في ذلك التمسك باستعادة الجولان السوري المحتل باستخدام كل الوسائل، ووفقاً لما نصت عليه قرارات وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.

– الرفض الشامل والكامل لكل أشكال الإرهاب وأساليب بث الفتنة والتفرقة العرقية أو الدينية وجميع مظاهر التطرف وإقصاء الآخر، والالتزام بمحاربة كل ذلك رسمياً وشعبياً.

– حق الشعب السوري في تقرير مصيره، واختيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يناسبه، من دون أي تدخل خارجي، وتحديد مستقبل بلاده عبر طرق ديمقراطية من انتخابات وغيرها من الاستحقاقات المهمة.

– المحافظة على القوات المسلحة والقوى الأمنية، وتمكينها من استمرار القيام بواجباتها طبقاً للدستور، وبضمن ذلك الدفاع عن حدود الوطن، وحماية الشعب من أي تهديدات خارجية وداخلية، والاستمرار في محاربة الإرهاب والتطرف وتأمين أمن المواطنين.

– التأكيد على الهوية الوطنية للدولة السورية، كدولة تقوم على مبادئ الديمقراطية ونبذ الدعوات الطائفية والمذهبية البغيضة، وعلى مبادئ التعددية السياسية والمساواة بين أبناء الشعب بغض النظر عن الانتماءات العرقية والدينية والجنسانية، بحيث يكون القانون هو السائد وفوق الجميع، إلى جانب التركيز على استقلالية القضاء وفصل السلطات في الدولة.

– ضرورة الالتزام بتحقيق الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية الشاملة.

– وجوب احترام الهوية الوطنية السورية والتاريخ الوطني العريق للمجتمع السوري، والقيم الغنية له التي كانت حصيلة لكل الأديان والحضارات والتقاليد التي عرفتها سورية عبر تاريخها الطويل.

– تقديم الدعم للفئات الفقيرة والأيتام وضحايا الحرب، ومساعدة اللاجئين في مجال الحفاظ على أمنهم، والعمل على عودتهم إلى بيوتهم مع تأمين المأوى والحاجات الأخرى لهم.

جدير بالذكر أن ممثلي بعض الفصائل المسلحة قد احتجوا على شعار المؤتمر الذي أشرنا إليه في بداية الحديث (السلام للشعب السوري)، وحتى على رفع العلم الوطني السوري، فأي شعار وأي علم يريدون؟ نترك الإجابة للقارئ والسامع الكريم!

كذلك أدخلت على مسودة البيان الذي تناقلت الصحف ووكالات الأنباء والفضائيات بعض بنوده مبكراً، تعديلات جوهرية ومهمة أبرزها أنه لا يجوز التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية، ثم إدخال عبارة (المحافظة على القوات المسلحة) بدلاً من عبارة (بناء جيش وطني) التي تثير الكثير من علامات الاستفهام حولها.

وكان للرسالة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمؤتمر والتي أكد فيها أن هناك حاجة ملحة للحوار السوري – السوري، وأن الظروف الملائمة تتوافر الآن لطي هذه الصفحة المؤلمة في تاريخ الشعب السوري، كان لها وقع إيجابي كبير لدى أعضاء المؤتمر ولدى أبناء سورية عامة.

باختصار، شكّل مؤتمر سوتشي محطة مهمة في المساعي الجدية على طريق إيجاد حل مقبول للأزمة السورية.

 

العدد 1107 - 22/5/2024