القروض السكنية..هل تحل المشكلة؟

يرى المشرفون الحكوميون على السياسة النقدية في سورية أن الظروف الداخلية الاقتصادية منها والمالية، أصبحت متوفرة من أجل تحريك مسألة القروض السكنية، سواء من حيث توفر السيولة النقدية الضرورية لأجل ذلك في البنوك، أو من حيث تحسن جيابة الديون والضرائب في البلاد، أو من حيث ازدياد كتلة الودائع في المصارف وغيرها.

ولكن السؤال المطروح: هل سيؤدي هذا الأمر إلى تأمين السكن للسوريين الذين تهدمت منازل قطاعات واسعة منهم؟

إن الإجابة عن هذا السؤال لن تكون بالإيجاب، إذا اقتصر الأمر على القروض، لأن تحريك الأموال المتكدسة في المصارف إلى السوق من خلال تحويل جزء من سيولة المصارف إلى الإقراض السكني سيؤدي بطبيعة الحال إلى ازدياد عرض الليرة السورية، مما سينعكس سلباً على سعر صرفها، باتجاه الانخفاض، وهذا لن يخدم مهمة تأمين السكن للسوريين، بمقدار ما سيخدم عمليات المضاربات العقارية، أي رفع أسعار العقارات.

إن مشكلة السكن في سورية لا تحلها عملية تحريك القروض، فهي أعمق من ذلك بكثير، وخصوصاً أن عدد الذين فقدوا منازلهم نتيجة الحرب القذرة التي تشن على البلاد يبلغ الملايين. ستبقى الشريحة الأوسع من المواطنين غير معنية بصورة فعلية بخدمات قروض السكن، لا بل سيطولهم تأثير غير إيجابي يعود إلى ارتفاع مستوى الإيجارات الشهرية، وخصوصاً أن متوسط أجور العاملين لا يتجاوز الثلاثين ألف ليرة في الشهر.

إن كتلة السيولة في المصارف ينبغي تحريكها، ولكن يجب أن تتحول بمعظمها إلى استثمارات إنتاجية تخلق فرصاً للعمل، وتتيح رفعاً للأجور، وبالتالي رفعاً للاستهلاك والطلب وتخفيضاً للأسعار، مما يؤدي إلى تحسين سعر الصرف، بينما نرى أن الأمر في واقع الحال يسير باتجاه معاكس، لأن ما يهم الحكومة هو الريع العقاري والاستثمار الخدمي، وبالتالي فهي تركز على الإقراض الاستهلاكي في مجال العقارات والخدمات. أما فيما يتعلق بالصناعيين، فالتسهيلات التي تقدم لهم تكاد لا تُذكَر، في الوقت الذي تقدم فيه كل التسهيلات الضرورية للمستثمرين السياحيين والعقاريين، وتسنّ لهم القوانين والمراسيم، وتسعى الحكومة بكل ما تستطيع من قوى لطمأنة هؤلاء، وكأنها تقول لهم بصراحة إن السياسة النيوليبرالية التي اتبعتها قبل الأزمة، ستستمر، ولن يكون هناك أي تغيير يمكن أن يمسّ مصالحهم. وهذا ما تؤكده الكثير من عناصر السياسة الاقتصادية الأخرى للحكومة، سواء فيما يتعلق بالسياسة الضريبية التي تقع بثقلها على عاتق ذوي الدخل المحدود، وهي تفتقد إلى أبسط معايير العدالة.

ولعل الموقف الفاقع على ذلك هو استثناء من اغتنى خلال الحرب من مفهوم التهرب الضريبي الذي ينص_ كما تقول الحكومة_ على أولئك الناس المسجلين لدى ضرائب الدخل ولا يدفعون الضرائب.

كفى أيها السادة!

إن ما يتطلبه الشعب هو رسم استراتيجية اقتصادية تلبي مصالح الغالبية العظمى منه، من صناعيين ومزارعين وحرفيين وعمال، وكل ذوي الدخل المحدود، لأنهم هم عماد الوطن وصموده وانتصاره.

العدد 1105 - 01/5/2024