كلمات في عيد المعلم

مَن منا ينسى الأبيات الرائعة التي نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي في المعلم تكريماً له ولدوره الكبير في التربية:

قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَ من الذي

يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا؟!

اعتُمد يوم الخامس من شهر تشرين الأول من كل عام يوماً عالمياً للأحتفال بالمعلم، وتحتفل بهذا اليوم أكثر من مئة دولة، حسب وثيقة أصدرتها منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو)، وكان ذلك في عام،1966 إحياءً لدور المعلم البارز في تعليم النشء، وتقديراً لجهوده، فهو الشمعة التي تحترق لُتنير للأجيال دروب المعرفة والعلم. كما اعتَمدت العديد من الدول أياماً خاصة بها لتحتفل بهذه المناسبة حسب ما ترتئيه. واعتمدت وزارة التربية في سورية، ثالث خميسٍ من شهر آذار من كل عام، يوماً لعيد المعلم العربي، تُعطّل فيه المدارس، الخاصة والرسمية، والجامعات والمعاهد، وما في حُكمها.

المعلمون، ولأ شكّ، هم أصحاب الرسالة المقدسة، وهم بناة الأجيال الحقيقيون، لأنّهم يبنون الأنسان، الذي هو ركيزة المجتمعات وأساس تقدمها. يقول أحد المستشرقين: إذا أردت هدم حضارة، فأسقِط الأسرة والتعليم والقدوة. ولكي تهدم الأسرة: عليك بتغييب دور (الأم)، والأم هي مدرسة بحد ذاتها، ولكي تهدم التعليم: عليك بـ(المعلم) فلأ تجعل له أهمية في المجتمع، وقلِّل من مكانته حتى لأ يحترمه طلأبه، ولكي تسقط القدوات: عليك بـ (العلماء)، اطعن فيهم وقلّل من شأنهم، شكّك فيهم حتى لأ يسمع لهم أحد. فإذا اختفت (الأم الواعية) واختفى (المعلم المخلص)، وسقطت (القدوة والمرجعية) فمن يربي النشءَ على القيم؟

يبقى السؤال الذي يطرح: ما هو حال المعلم عندنا اليوم؟

في الحقيقة لقد تغير واقع المعلم في سورية كثيراً جداً، ولأ يمكن مقارنة وضع المعلم اليوم مع وضعه في عقود مضت، إذ كان للمعلم مكانته ودوره في المجتمع وفي الوسط الذي يعيش فيه، سواء في الحي أو في القرية أو في المدينة، فهو محترم من الجميع والكل يكن له التقدير، وكان يقدم النصح والمشورة لأهل بلده ويحل الخلأفات والمشاكل التي تحصل بينهم، وكان الطلأب آنذاك يهابون المعلم ويحترمونه، وإضافة إلى ذلك كانت أوضاعه المادية أفضل، فقد كان الراتب يكفيه ليعيش حياة كريمة، وليكون عنده الوقت الكافي ليطور معرفته ويزيد من كفاءته، وليس مضطراً للقيام بأعمال إضافية ليتدبر نفقات المعيشة التي أصبحت فوق طاقته بكثير، أو حتى بإعطاء دروس خصوصية كما يفعل كثير من المعلمين اليوم، الأمر الذي أساء للمعلم وقلل من احترام طلابه له، إذ أصبحوا يقيسون العلأقة على أساس العرض والطلب من منطلق تجاري بحت، وهذا الموضوع له تفرعاته وتشعباته الكثيرة.

أخيراً لقد زادت الحرب من هموم المعلم، وكما يقال: (فوق الموتة عصّة القبر)، كثير من المعلمين عاشوا الرعب والخوف، ومنهم من تعرض للتنقل والتشرد وتغيير مكان الإقامة وما يحتاجه ذلك للتأقلم من جديد، أو تغيير المدرسة بسبب خروج بعض المدارس عن الخدمة، وتعرض بعضهم للقنص على الطرقات في المناطق الساخنة، فضلأ عن عمليات الخطف والتهديد وغيرها من المشكلأت والضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها، كل ذلك جعل المعلم عندنا في وضع لأ يحسد عليه.

بقي أن نقول: كل عام ومعلمونا بألف خير.. وكلنا ثقة وأمل بأن يكون القادم من الأيام  أفضل!

العدد 1105 - 01/5/2024