أردوغان حاكماً حتى 2034

أقر البرلمان التركي مؤخراً التعديل الدستوري الذي قدمته الحكومة له بموافقة من حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية.

هذا التعديل ليس عادياً، بل هو يغير النظام الجمهوري المعمول به منذ عام 1923، وفي حقيقة  الأمر ليس هو مجرد تعديل، بل هو نسف لكل الدساتير السابقة منذ عام 1923، ذلك أن الصلاحيات التي يحظى بها رئيس الجمهورية في حال إقرارها في استفتاء شعبي، تجعل من الرئيس أردوغان حاكماً مطلقاً في كل الأمور.. والسؤال: كيف؟!

أولاً- سوف يُلغي التعديل موقع رئيس الحكومة الذي يشغله حالياً بن علي يلدريم، وسيكون تعيين الوزراء من صلاحيات الرئيس، ويكون أمين سر مجلس الوزراء بمثابة موظف عادي ينظم العلاقة بين الرئيس والوزراء. وبالمناسبة لا يجد يلدريم أي حرج في أن يكون آخر رئيس وزراء، وهو بالأساس جاء به أردوغان ليسهل الانتقال إلى النظام الرئاسي.. ونُقل عنه قوله: (السفينة لا يمكن أن تُقاد بربانين، بل بربان واحد)، وهو بالأساس مهندس بحري ويعمل في القطاع البحري، وقوله أيضاً (إنه مستعد للتضحية ليس بابن علي واحد، بل بألف ابن علي!

ثانياً- التعديل يخول الرئيس تعيين أغلبية جهاز القضاء من المحكمة الدستورية إلى مجلس القضاء.

ثالثاً- التعديل يجعل رئيس أركان الجيش التركي تابعاً للرئيس أردوغان مباشرة.

رابعاً- يعطي التعديل للرئيس حق حل البرلمان.

جدير بالذكر أن التبرير المزعوم للتعديل الدستوري، هو أن تركيا تحتاج إلى الاستقرار الذي لا يمكن تحقيقه- حسب ادعاءات أردوغان- في ظل النظام البرلماني الحالي.

 ويحتاج التعديل إلى 330 صوتاً في البرلمان، ثم يمر إلى استفتاء شعبي، وحزب العدالة والتنمية لا يملك إلا 317 صوتاً، إلا أنه ضَمِنَ أصوات حزب الحركة القومية الذي يملك 40 صوتاً في البرلمان.

لاشك بأن هذا التعديل يتم وسط ظروف بالغة الخطورة منها: تورط تركيا عسكرياً في سورية، عبر دعمها للمجموعات الإرهابية في السنوات الماضية، ثم عبر ما أسمته (عملية درع الفرات)، بزعم الحيلولة دون قيام كيان كردي على حدودها، ولكن تشير إلى أن هذه التدخلات التركية تأتي في إطار أطماع أردوغان في حلب وفي الموصل وأحلامه باستعادة أمجاد أجداده العثمانيين، ومن هذه الظروف الخطيرة التي تعيشها تركيا، الفوضى الأمنية بسبب التفجيرات المتتالية، ثم مسألة الركود الاقتصادي التركي، والتدهور القياسي في سعر صرف الليرة أمام الدولار، كذلك تراجع الموسم السياحي، وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، ثم الانقسام الداخلي الحاد الذي بلغ ذروته في الصدام مع جماعة (فتح الله غولن) والحرب مع الأكراد واعتقال نوابهم ورؤساء أحزابهم، والصراع بين الإسلاميين والعلمانيين.

وما يزيد الالتباس في هذا التعديل، أن أحداً لا يعلم ما ستكون عليه تداعياته في ضوء تطبيقه، لجهة السماح بأن يكون الرئيس حزبياً، بل رئيساً لحزب، واختصار الدولة بحزب العدالة والتنمية، بل بشخص الرئيس أردوغان، إلى جانب ذلك لوحظ أن التعديل مرّ من دون نقاش واسع وبصورة عجولة.. أكثر من ذلك أن التعديل تجاهل مكونات الأكراد والعلمانيين والديمقراطيين في البلاد.

أخيراً.. إن الأمر الثابت بموجب هذا التعديل أن تركيا سيحكمها أردوغان حتى عام 2034، إذ يحق له الترشح لخمس سنوات عام 2019 تاريخ تطبيق هذا التعديل بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالية، ليكون رئيساً حتى عام 2024، ومن بعدها يحق له التجديد خمس سنوات أخرى، أي حتى عام 2029، ومن بعدها، فإن التعديل الجديد يمنح البرلمان- إذا ارتأى ذلك- حق ترشيح الرئيس لخمس سنوات أخرى، أي حتى عام 2034!

العدد 1105 - 01/5/2024