هل يصوم المرتشون والفاسدون؟؟

لم يكن يوماً الصيام بشهر رمضان صياماً عن الطعام والشراب فقط، بل هو صوم عن كل الأفعال المضرة بالغير، والسعي للاتصاف بالأخلاق الحميدة التي تسمو بكل شخص، فكيف سيكون حال الدول إن شاركت أيضاً في الصيام!؟ ولكن هل تصوم الدول والحكومات!!؟ وإن صامت فعن ماذا تصوم!؟

لطالما صامت الحكومات في الدول النامية عن مساعدة الناس، وتركت الفئات الفقيرة تُسحَق على أيدي المتنفذين والأثرياء أصحاب السيادة على كل منصب، فهم الذين يشترون بأموالهم توقيع مدير ونائب مدير، ويحملون المعاملات الفاسدة داخل الدوائر الحكومية على طبق من ذهب، ويكسبون قلوب بعض الموظفين بحفنة من المال ليصبح صوت المال هو الصوت المسموع من دون نقاش.

ونحن في سورية لا يختلف وضعنا عن سائر الدول النامية التي تعاني من الفساد المستشري بين أصحاب المناصب والكراسي الحساسة، الذين صاموا… نعم صاموا عن سماع صوت الفئة الكادحة والفقيرة، وصامت معهم الجهات المعنية بوضع حد للتجار والمستثمرين الذين تاجروا بلقمة محدودي الدخل، وراهنوا على طحن متوسطي الدخل، وكانت مهمتهم الحفاظ على الطبقة الغنية منعمة مرهفة على حساب الشرائح المستضعفة.

وعلى الرغم من أننا في شهر رمضان الكريم إلا أن طرفي الفساد لم يصوموا معنا، بل مازالوا يمارسون عاداتهم القديمة، فمن شرطي المرور الذي يتربص عند مفرق الطرق ويوقف السيارات بسبب أو من دون سبب سعياً منه لاغتنام فرصة تهرّب الناس من مخالفة مرورية  ظالمة، بوضع مبلغ صغير من المال بيد الشرطي ليعود كل منهما إلى عمله، إلى ذاك المراقب الذي تقتضي مهمته الحفاظ على الأسعار في الأسواق ومراقبة المحال وضبط المخالفين والذي أيضاً لم يرضَ إلا أن يستغل مكانه الوظيفي ويبتز صاحب المحل هذا ويعقد اتفاقاً مع ذاك، ويضع بجيبه مئات الآلاف، إلى الذين يتربعون على عرش المناصب المرموقة والذين لا يهنئ لهم بال إلا اذا وصل دخلهم الشهري إلى عشرات ومئات الملايين التي تصب في جيوبهم عوضاً عن خزينة الدولة.

فقد أظهرت الدراسات التي قامت بها الأمم المتحدة وهيئات دولية مستقلة بين أعوام 2004 و2009، أن المبالغ المختلسة من قبل القيادات الفاسدة في الدول النامية، والتي يبلغ عددها خمسين دولة، بلغت 1.6 تريليون دولار، وأن 40 مليار دولار تُنهب سنوياً من قبل الأشخاص الذين يكونون في أعلى مستويات الحكم في الدول الأكثر فقراً في العالم، كما يضيع نحو 25 % من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الفساد سنوياً.

فكيف أصبحت حال بلادنا اليوم وهي تعاني من فساد قديم وأزمة جديدة أفسحت المجال لكل ضعيف نفس أن يسرق وينهب ويرتشي، ثم يختبئ بظل الحرب الأسود الذي أصبح ملجأ لكل فاسد ومستغل؟ ستمثل استعادة هذه الأموال المنهوبة دعماً كبيراً للنهضة في بلادنا، فقد كانت ستسمح بتمويل خدمات التلقيح والتحصين ضد الأمراض الفتاكة لأربعة ملايين طفل، وإيصال المياه النظيفة لـ 250 ألف أسرة، وكانت ستعيد إعمار مئات المدارس والقرى، وتقي ملايين الناس من الجوع والعطش وتعيد تأهيل عشرات البنى التحتية، وتصب في النهاية في مصلحة الناس والمواطنين من الفئات الفقيرة.

فإن كان على الحكومة أن تصوم فالأفضل لها أن تصوم عن الرشا والفساد الذي يوجد في اغلب الدوائر الحكومية ويعاني منه المواطنون في كل يوم، وأن تعمل على إيقاف التجار المحتكرين والمنتهزين، وأن تكبح سطوة المتنفذين وتعمل على أن يحترم حق الموطن الفقير والمحدود الدخل في أن يعيش حياة كريمة بعيدة عن طمع المرتشين والفاسدين.

العدد 1107 - 22/5/2024