نهاية جهنم!!

د. نهلة الخطيب:

لا نصر هنا ولا هزيمة هناك، من ربح ومن خسر، لا جوابَ قاطعاً!!!، خاتمة تماثل كل حروب لبنان المريرة مع إسرائيل، إنها نهاية جهنم. حزب الله الذي أعلن مساندة المقاومة الفلسطينية بمشاغله عسكرية لا تتجاوز قواعد الاشتباك، حتى وقع الأسوأ في منتصف أيلول باختراق أمني بهواتف البيجر طالت العديد من عناصر الحزب، ثم تطور التصعيد الإسرائيلي بتنفيذ الاغتيالات كعادته فطالت رأس الحزب السيد حسن نصرالله والعديد من قياداته، ظناً أن هذا قد يؤثر على عزيمة المقاتلين، ولكنها بالاجتياح البري فوجئت إسرائيل بمقاومة على الأرض فاقت كل الحروب السابقة (58) يوماً من غارات وقتل وطائرات مسيرة على لبنان، كان مقابلها صواريخ حزب الله التي فاقت ذروتها ودقتها فوصلت إلى قلب إسرائيل ووصلت إلى تل أبيب، وفجأة صبيحة الاثنين يولد اتفاق سعى به المبعوث الأمريكي اموس هوكستين منذ شهور، يُعلن ويُنفذ بساعات.

تعرض لبنان والحزب لضربات قوية أجبرته على قبول الاتفاق ليحفظ ما بقي للحزب ويمنع استمرار العمليات العسكرية ضد لبنان، بينما ينظر حزب الله باهتمام إلى فك ارتباطه بإسناد غزة، وفيما كانت الحرب وفيما انتهت الحرب، لم يختر الحزب معركته، وهو الوحيد الذي وقف مع غزة واندفع لمعركتها بلا حساب رغم فداحة الخسارة، يقول الحزب إنه فعل ما استطاع في دعم غزة حتى شنت عليه حرب مدمرة سقط فيها عشرين ألف لبناني بين شهيد وجريح وسط خذلان عربي وإسلامي صادم، وفق الاتفاق سينتشر الجيش اللبناني ويتراجع حزب الله نحو 30 كم من الحدود، أما الواقع فإن الابتعاد عن الحدود لا يعطل صواريخ الحزب وقد ظهر أنه يحتفظ بترسانة منها وبقي الحزب بالكثير من قوته، ولكنه سيرقب إلى مستقبل تسليحه في حال تضيق الخناق على إمداداته، هذا الاتفاق يتضمن بشكل صريح إذا تم تنفيذه انتهاء حزب الله كقوة عسكرية في لبنان ومنع أي أسلحة أو ذخيرة تدخل إليه، ولكن السؤال هل يتم تنفيذه؟؟ وقد يراهن الحزب على عدم تنفيذه.

إسرائيل تعتمد على الميدان وعلى القصف وعلى القتل لتكريس إنجازات معينة وخلق بنية سياسية قائمة عليها، وينظر إلى هوكستين باعتباره مبعوث إسرائيلي يحاول أن يفرض على اللبنانيين رؤية إسرائيلية أمريكية بالاستناد إلى المعطيات الميدانية، ومع انخفاض توقعات إسرائيل بعد عجزها تحقيق تمنيات نتنياهو المعلنة منذ بداية العدوان بالقضاء على حزب الله وتدمير بنيته العسكرية والتحليق بحرية في الأجواء اللبنانية، وإنفاذ القرار 1701، وخلق شريط أمني عازل، وترتيب لحكم جديد في لبنان ينسجم مع رؤية نتنياهو للمنطقة بما يخدم الحلم الإسرائيلي بتغيير الشرق الأوسط، لدرجة استعداد حكومته للاستيطان في جنوب لبنان، ولكن كل هذه المطالب تراجعت، وفشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بعد أن استعاد حزب الله قدراته العسكرية وقدرته على ترميم أوراقه من جديد، وقدرته على إشغال العمق الإسرائيلي كله بضغط الحرب وثقلها وتهديد الأمن الإسرائيلي، حزب الله اتخذ طابعاً تصعيدياً يوماً بعد يوم إلى أن وصل إلى مستوىً غير مسبوق. وبمسارات متوازية من حيث الشكل والأسلوب وليس بالضرورة من حيث القوة والقدرة، مما دفع إسرائيل إلى تقييم استراتيجيتها والتراجع والذهاب إلى مثل هذا الاتفاق، فضلاً عن دوافع مرتبطة بالجيش الإسرائيلي وبمقدراته.

فكيف نفهم الانتصار؟؟ الانتصار بمنع تحقيق الأهداف التي رفعها نتنياهو على المستوى السياسي وعلى المستوى العسكري، عندما تحدث عن أهداف تكتيكية وأهداف استراتيجية في لبنان فهو لم يحقق حتى الأهداف التكتيكية، ولم يستطع إعادة سكان الشمال فقط، مشهد عودة سكان الجنوب إلى قراهم وبيوتهم أثار غضب المستوطنين (إنهم عادوا، ولم نعد، إنه العار!)، عشرات الآلاف منهم فروا من مستوطناتهم في الشمال هرباً من صواريخ حزب الله، أو مدفوعين بكابوس تكرار عملية طوفان الأقصى، فكيف له بإنشاء منطقة عازلة وخلق بيئة أمنة في الجنوب أو تدمير قدرات حزب الله ونزع سلاحه والشعارات حول المعابر وتغيير واقع لبنان السياسي، كل هذه الأهداف التكتيكية والاستراتيجية سقطت على أعتاب المقاومين وصمودهم ومنعهم نتنياهو من تحقيق أهدافه، المقاومة رفعت كلفة الاحتلال إلى مستويات غير مسبوقة فالملايين اضطروا إلى دخول الملاجئ وألحقت خسائر ضخمة بالبنية التحتية لإسرائيل، فضلاً عن ازدياد عزلتها الدولية، ووقوفها أمام القضاء الدولي وصدور قرارات التوقيف بحق نتنياهو وغالانت، الانتصار للبنان والمقاومة من خلال فشل نتنياهو مجدداً في تغيير الواقع الاستراتيجي وثلاثية واقع الجيش والشعب والمقاومة، مما عكس وحدة الموقف اللبناني وعزز شرعية المقاومة لدى الشعب اللبناني.

اتفاق لا يجلب الأمن لإسرائيل وبالتالي يمكن التوقع أنه اتفاق تكتيكي مرحلي مدته ستون يوماً استعداداً إلى فصل جديد من المواجهات، لو كان هذا الاتفاق يراد منه الديمومة لما زج فيه بند من البنود الخطيرة وهو البند الذي يشير بسوء نية إسرائيل، (حق الدفاع عن النفس للطرفين) بصيغة تبدو مقبولة للطرفين، وهو محاولة للتحايل على الشرط الذي رفضه لبنان وحزب الله حول حق إسرائيل الدخول إلى لبنان وتنفيذ عمليات متى شاءت، ويعتمد على الضمانات الأمريكية التي تتجاوز الاتفاق وتعطي إسرائيل مزيداً من الانتهاكات، ويضمن لها حق العودة والدفاع، وحق التحليق والتعاون الاستخباراتي في حال الخرق وتشخيص أي عمل يهدد أمن اسرائيل، وباعتبار أن حزب الله يسعى إلى وقف اطلاق النار، ولبنان كله معني بذلك، والطرف الأخر الذي يلوح دائماً باستئناف العمليات العسكرية سيتخذ مثل هذا البند كذريعة لإعادة تأجيج الصراع إذا رأى أن التأجيج يصب في مصلحته، إسرائيل تريد فرض الأمر الواقع عبر البقاء في بعض القرى المحتلة بالشريط الأمامي ومنع عودة النازحين إلى بيوتهم وفرض التدخل الجوي فهي لم تترك الأجواء اللبنانية، إضافة إلى الخروقات الإسرائيلية.

فإسرائيل لا تريد الالتزام بالاتفاق والعودة إلى الحرب، والمرحلة القادمة مرتبطة بعاملين كيف ستتحول الخلافات في الداخل الإسرائيلي إلى موضوع أكثر ضغطاً على نتنياهو للتراجع عن الخطوة التي أقدم عليها، والآخر مرتبط بالاستراتيجية الأمريكية في مرحلة ترامب، وما الذي سيحمله في هذا الملف والملف الإيراني، ترامب سيكون أكثر تجاوباً مع إسرائيل سواء في لبنان أو في غزة، لا أقصد العمليات العسكرية، ولكن الأهداف الاستراتيجية واعادة الاستيطان في غزة والضفة، وتوجيه ضربة قوية للبرنامج النووي الإيراني.

فيما يرد فلسطينيون على مباهاة استفراد نتنياهو بغزة بالتساؤل ماذا عساه أن يفعل من إبادة بإسناد أو دون إسناد.

أهل غزة عبّروا عن فرح بوقف القتل في لبنان وأمل بوقف الحرب بغزة أسوةً بلبنان، مع شيء من مرارة الفراق مرده أن تشارك الألم يخففه.

العدد 1140 - 22/01/2025