أمستردام والتفاعلات العكسية
علي شوكت:
خلال أربعة عشر شهراً من حرب الإبادة الجماعية الهمجية الإجرامية الضروس على فلسطين عامة وعلى قطاع غزة بالخصوص، ونحو شهرين من الحرب على لبنان، وميل الرأي العام العالمي خاصة في أوربا وأمريكا نحو دعم القضية الفلسطينية وحق تقرير الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. على أرضه وفق شرعة الأمم، وتحول سياسي لبعض الدول الأوربية في دعمها الصريح لقيام الدولة الفلسطينية كان آخرها اسبانية والنروج وإيرلندا، في ضغط واضح ضد العدوان الصهيوني. وايضا قوة جبهة الاسناد لدعم غزة وفلسطين من قبل قوى المقاومة في لبنان واليمن والعراق وإيران، رغم ما تلقته من ضربات أليمة باستهداف قيادته في الصف الأول والثاني والقادة الميدانيين النوعيين وتدمير واسع النطاق في البنى التحتية وتهجير الحاضنة الاجتماعية لها، إلا أن الكيان الصهيوني بدأ يستشعر القلق على المدى البعيد من التململ ضمن صفوف المستوطنين والمطالبة الجدية بإنهاء الحرب وإجراء تسوية تؤدي لعودة المحتجزين الصهاينة. خاصة بعد فشل جيش الكيان بتحقيق أهدافه الأساسية المتضمنة إنهاء المقاومة في غزة بشكل تام وكسر قوتها العسكرية والشعبية واستعادة اسراه من جنود ومستوطنين وحل قضية قطاع غزة بالتهجير الكامل وعودة المستوطنين لشمال فلسطين وإخراج المقاومة اللبنانية من المشهد العسكري وإخراجها إلى شمال نهر الليطاني. إضافة لكل ذلك فإن أسوء هاجس كان لقيادات الكيان النزوح العكسي لمواطنيه باتجاه دول أخرى خاصة للدول التي اتول منها سابقاً وتربطهم بها علاقات اجتماعية وفي معظمهم يحملون جنسية مزدوجة. إضافة لنحو مليون مستوطن خرجوا منها من قبل عبر اشتداد الصراع ما قبل السابع من أكتوبر وما نتج بعده خلال أيام وأشهر الحرب. هذه الهجرة واستنزاف الواقع الديمغرافي تحول لقلق متزايد وبدوره أصبح يقض مضاجع قادة الحركة الصهيونية، من خلال اختلال التوازن حيث نعلم أن أكثر ما يؤثر في النفسية الصهيونية هي الهجرة العكسية. فكان لا بد من إعادة التدخل المبرمج لوقف نزيف الاستنزاف البشري وكان لا بد أن تسعى لخلق مشاكل وأحداث معينة توقف هذه النكبة بالنسبة للكيان وهذه إحدى اهم الاسباب التي بدأت تتكشف للرأي العام والمتابعين لوقائع الأحداث. ومنها يمكن أن تضرب أكثر من عدة عصافير في حجر واحد. فبداية الاحداث نشأت في مدينة أمستردام الهولندية بين مجموعة من المشجعين لاحد أندية كرة القدم الاسرائيلية بالتعدي على مؤيدين للقضية الفلسطينية. وبعد انتهاء المباراة بغض النظر عن النتيجة اندفعت مجموعة من الصهاينة لافتعال احداث شغب استفذت خلالها مؤيدي الفلسطينيين من عرب وهولنديين فقاموا بالتهجم على بعض المنازل التي تضع الاعلام الفلسطينية وشتم وضرب لهم ما أدى من الطرف الاخر الرد بقوة على الهمجية والعنصرية الإسرائيليين. وأتت الرواية الصهيونية لتقلب الحقائق بما أفتعله المهاجمون لتجعلهم حملان وديعة تم الاعتداء عليهم من قبل متطرفين عرب وما ـسمته من معاديين للسامية من الهولنديين. وحاول قادة الكيان امتلاك زمام المبادرة وخلق جو من الاحتقان بأهداف محددة. كان أولها خلق الأزمة وإشعار الدولة الهولندية بالحرج الشديد على الصعيد السياسي والأمني ومن خلالها باقي الدول الأوربية.
ثانياً إشعار اليهود الذين استقروا ليس في هولندا فقط بل في أوربا أنهم مستهدفون بشكل واسع.
ثالثاً وقف الهجرة من دولة الكيان إلى الخارج بحجة معاداة السامية.
رابعاً شد العصب اليهودي وتحفيزه على العودة إلى فلسطين المحتلة (إسرائيل).
خامساً خلط الأوراق على المستوى السياسي والأمني في الدول الأوربية من الموقف المعادي الذي بدأ يتشكل لدى الرأي العام في الدول الاوربية من الكيان الصهيوني وإجرامه المتزايد في عملية الإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان.
قد لا تكون حادثة أمستردام الوحيدة وربما يتم افتعال عدة أحداث مشابهة في عدة دول أوربية وخاصة الدول التي أظهرت معارضة شعبية واسعة لممارسات إسرائيل العدوانية. إن لم يكن في القريب العاجل فقد يكون لاحقاً وعلى عدة هجمات ومراحل متتالية هنا وهناك.
هذا ما تعودناه من أساليب الكيان الصهيوني عبر مراحل تاريخه على مدى مئة عام. فقد كان يفتعل الازمات والأحداث وحتى المجازر باليهود أنفسهم لجعلهم يتقاطرون أفواجاً إلى دولتهم الموعودة بعد أن يفرش لهم الأحلام الوردية بأرض الله الموعودة.