ثبات وأنماط تفكير

محمد أنجيلة:

يعلمنا التاريخ والتجارب أن التمترس والتقوقع العقائدي والإيديولوجي، لكلّ منتمٍ، يجرُّ على صاحبه وعلى المجتمع كوارث هائلة، فالعلوم والمعرفة والثقافة والمعلومات هي متغيرة وواسعة وغير ساكنة ولا جامدة. ونلحظ استمراريتها وكينونيتها بمحتوى علاقتها بالزمان والمكان.

الملاحظ ومن خلال تجربتي الشخصية أن كل شخص اشتغل في المجال الفكري والسياسي يتمترس ويتخندق وراء شعارات وأهداف مدرسته الفكرية دون دراية أو معرفة للفواصل الزمنية والأحداث. أيّاً كان نوعها وهويتها، ويتعامل مع الآخرين من محتوى أصول ومركزية مدرسته العقائدية الفكرية كنموذج وحيد صالح لكل زمان ومكان. ستكون النتائج كارثية. أيضاً كل تيار يقدم حلولاً وحيدة صالحة لا يمسّها المطهرون، هي القادرة فقط على رفع الزير من البير.

أعتقد بعد هذه التجارب المريرة أنه حان الوقت لتغيير أنماط التفكير، والخلاص من عبودية النصوص والفرد، والاستفادة من المعرفة العلمية والإنسانية، والتجرد العلمي الحيادي في مناقشة أي ظاهرة اجتماعية أو سياسية. فاللون الواحد يعمي العيون، والتمترس الإيديولوجي يؤدي إلى مزيد من التخبط وفشل مشاريع الإصلاح، فثراء المعرفة الإنسانية لن يتحقق بالثبات والتمترس. فالعقل مخزن مهمّ لكل العلوم والتكنولوجيا، وهو توضيبٌ تراكميّ لكل تجارب الحياة.

فالخلاص من عبودية النص والفرد والانتقال إلى واحة المعارف خطوة أساسية في تنوير الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية.

لن تترسخ أركان الدولة الحديثة إلا عبر البناء المعرفي العلمي والاستفادة من منجزات العلم الحديث التي هي نفسها تخضع للتطوير الدائم، فما بالك بالعقائد الإيديولوجية!

إن تقديس النص هو أحد الوثنيات البشرية المتراكمة تاريخياً، وهو من بقايا عصور القفص القبلي والعشائري، لا بد من الخلاص من ذلك لتحقيق استقلالية العقل، لأن شعور التبعية والعماء الاستلابي الذي يولد شعور يستحق الاحتقار.

العدد 1140 - 22/01/2025