الثقافة.. حاجة أم ترف؟
محمد أنجيلة:
هل الثقافة ترفٌ نخبويّ؟ هل مطلوبٌ من الإنسان أن يُلِمّ بكلّ شيء؟ ثمّ أيّ ثقافة؟
الثقافة إبداع إنساني ووعي جمعي تراكمي لانفعالات البشر.. لتفاصيل حياتهم ولإبداعهم في حل معضلاتهم.. هي فعلٌ وجداني بين الناس، هي حاجة الناس إلى سكينتهم وهدوئهم.. هي المزاج العطر المعتدل لنسائم هوائهم.. وجمال قلوبهم.. بالمختصر، هي حياة المجتمع بحركته الداخلية نحو الإبداع والابتكار والرقّي.. هي التحرر من الجهل والتخلف والتجهيل. هي السير نحو فضاء النور والتثوير والتنوير.. وتنقية العقول من براثن الطفيليات والخرافة.
هي توثّب العقل إلى كل جديد، برؤية منطقية وعلمية ونقد متجرد وحياديّ. هي الابتعاد عن لغة التشدد والتكفير، وعن نشر البغضاء والإرهاب والكراهية، هي التسامح والمحبة والتعايش. وهي حاجة وزادً يومي لكل فضاء نظيف.
الثقافة هي الموسيقا التي تهزم الجمود والتعصب، هي لغة الأصالة والانفتاح والتعايش الإنساني. هي رسالة للحياة الجميلة كجمال الصباح المزنر بعطر الندى، ورائحة الأرض.
أمّا غير ذلك فهو مراهقة حوارية وثقافة بائدة تصلح لطفيليات وعوالق الفكر الذي يخدم المصالح وتجار ثقافة التبرير.
الثقافة تعلّمنا أن نحترم كل الآراء والأفكار، وأن نصغي للفكر الجديد والمتميز، مهما كانت مخالفة لآرائنا، لأن هذا من طبيعة الحوار والنقاش وأساس التطور الذاتي أولاً، ثم تعميمه مجتمعياً.
فالثقافة إدراك حياتي ووعي جمعي واحترام للرأي وتداول للأفكار وعجنها أفقياً وشاقولياً. هي رفض للرأي المطلق في كل شيء وهي النسبية أيضاً. في الثقافة لا يصح أن ندخل في جدال عقيم غير مثمر.. وعلينا أن نمرّر أفكارنا وآراءنا دون تجريح لأحد. فالبعض ما زال ينهل من ثقافة التكفير والتشدد، ويوزّع براءات الذمة.
العقل والفكر العربي وبالعموم مازال يستقي ثقافة ماضوية عفا عليها الزمن، وهو ميت حضارياً.. ينهل ويستقي من معارك بائدة أو مفترضة يتصارع ويتعارك من أجل معارك سفسطائية من مغاور التاريخ الغابر ومنذُ سنوات طويلة.. وينسى دوره المطلوب منه في الإبداع والتميز والنقد المجرد وتأهيل المجتمع ورفع مستوى الوعي والثقافة والعلوم.
بالعموم، الثقافة هي نسبية المنهج ورفض الحقيقة الكاملة.. ورفض الاستبداد الفكري. وهي تكريس للمقولة الرائعة: من أستبدّ برأيه هلكَ. وهي رسالة الإنسان لأخيه الإنسان.