من أجل هذا أتينا.. ١٣٦صوتاً.. ألا يكفي؟!

محمد أنجيلة:

في بحر هائج بالصراعات الطبقية والاجتماعية والسياسية، يحتوي تلاوين السياسة وصنوفها، كان ذلك عام١٩٧٢، انتسبنا لاتحاد الشباب الديمقراطي السوري، في مدرسة دوما للبنين.. وكان الصراع السياسي على أشدّه بين قطبي التيار القومي: البعث، والناصري.

نعم، كنا مجموعة صغيرة من الرفاق.

في عام ١٩٧٣ وكما أعتقد كانت انتخابات تشريعية للمرة الأولى بعد قيام الجبهة الوطنية التقدمية.

كان مرشح الحزب هو الرفيق خالد بكداش، كنا مندفعين وبروح وثابة لتحطيم كل القيود المجتمعية. أيام جميلة وروح نضالية وانسجام كامل مع افكار الحزب.

في البداية لم توافق اللجنة الفرعية على وجودي كوكيل، لصغر سنّي.

لكن مع إصراري واندفاعي وافقت مع توصية للرفاق بي.

كنت أطير فرحاً، خرجنا من حدود الحواجز الاجتماعية واللاهوتية والعادات والتقاليد، وكم كنت أرغب في تحطيمها.

ذهبنا إلى دمشق التي طالما حلمت بها، حلمت بأن أراها وكنت أتلفّت يمنةً ويسرةً.. نعم، كنت والرفيق المرحوم عبد الرزاق حنن وكيلين لمرشح الحزب في أحد المراكز الانتخابية في حي الميدان، هذا الحي المتميز الدمشقي العريق.

احسست بأنني كبرت وأن لي قيمة اجتماعية وسياسية. كيف لا واسم أبو عمار مالئ الدنيا وشاغل الناس؟! وها أنذا.. عضو في هذا الحزب التاريخي. وها أنذا أحرق المراحل والفكر يضج كياني كل ثانية. قدمنا الأوراق لمسؤول المركز. صرخ أحدهم بنا مستنكراً:

ماذا تفعلون هنا أنتم في حيّنا؟! وملامح حقد دفين تملأ عينيه. أتبعها بضحكة صفراوية؟ وهو من وكلاء الأستاذ مروان شيخو. كان الصراع الانتخابي على أشدّه. وبطريقة انفعالية لا تخلو من الزهو والافتخار أجبتُه: وما دخلك أنت؟!

ردّ عليّ بطريقة عنجهية لا تخلو من الشماتة: الكفّار لا مكان لهم هنا؟

استفزّني جوابه فرددت عليه بطريقة استعلائية وانفعالية: عندما يكون دمك أزرق، وزِّع شهادات براءة الذمّة! وعندما يكون الحي طابو باسم والدك، تعال كلّمنا!

حقيقة كنت مزهوّاً بردودي وكان الرفاق يفرملون اندفاعي الزائد حرصاً عليّ، وتجنّباً لتهوّري. حقيقة لم أكن احسب حساباً للكثير من الإرباكات. فحلّها لا يستوجب الكثير من التفكير والحسابات. فالحزب أكبر من الجميع والتضحية أسهل الأشياء نحو وضع جديد يحمل الحلم بالتجديد وكسر للحواجز.

بعد فرز الأصوات في ذلك المركز، نال الرفيق خالد ١٣٦ صوتاً من أصل ٦٥٠ صوتاً. تقدمت مع الرفيق عبد الرزاق حنن (أبو حاتم) من ذلك الشخص المتفائل بخسارتنا، وقال له: أتينا من أجل ١٣٦صوتاً، هل عرفت لماذا أتينا؟!

نعم، من أجل هذه الأصوات الـ(حلال زلال)!

من مفارقات تلك الفترة الزمنية القصيرة، أن مؤيدي الأستاذ مروان شيخو كان يشطبون اسم الرفيق خالد، وكنا نحن ملتزمين بالقائمة وننتخبها بالكامل.

نعم، إنها ذكريات نضالية حزبية ربطنا فيها حياتنا بحياة الحزب ومصيره.

ربما تطرفت في بعض المفاصل والعمل الحزبي. وأعتقد أنني تهوّرت في بعض المواقع الحياتية في العلاقة السياسية مع القوى الأخرى، لاعتقادي الكامل أننا نحن الصح والآخرون مخطئون، فالحياة تتطلب التروي وعدم التسرع، والعمل السياسي يتطلب رؤية ورويّة وهدوءاً والاستماع للآخرين وعدم التشنّج. ولكن الطاقة الشبابية كانت هائلة، وكان تصورنا أننا سنغير المعمورة ونعيد ترتيب الحياة عليها.

إنها لحظات وذكريات مررنا بها، وأكسبتنا زوّادة فكرية وعملية، بأننا مثل الآخرين نخطئ ونصيب، وأننا بحاجة إلى مراجعة دائمة، وخاصة في المجال الفكري والثقافي والسياسي، فالحياة شجرة دائمة الاخضرار.

العدد 1140 - 22/01/2025