بقايا صور

محمد انجيلة:

ربما أصبح البوح بما يختزنه الصدر بعضاً من رفاهية. فالصور الممزوجة بأحداث الذكريات الموجعة أغلبها، وما رافقها من معارك وصولات، ستجد أنه لا داعي لمعظمها. ربما تدرك متأخراً، في وقت ما من عمرك وحياتك، أنّ أشدّ الأوجاع هي التي لا يكشفها حكيم ولا بارع ولا رصين، ولا يتحدث عنها المريض ولا العليل.

أشدّ الجروحِ ألَمَاً ووجعَاً ليست التي تبدو آثارها في ملامحنا ووجوهنا وعقولنا، بل التي تترك أثراً لا يراه أحدٌ في أعماقنا ودواخلنا.

وستعي أنّه لا شيء يجعلك أكثر صمتاً من الخيبة بالأمل والرجاء، وربما بكل شيء حولك، إنها الخيبة بكل تجلّياتها المرٌة ووجوهها السوداء والقهر الإنساني.

سنُدرك متأخرين وربما مضطرين أن الصراعات التي عشناها وخضناها، أننا أخطأنا ولا ضرورة لها ويمكن تلافي الكثير من الخسائر والكوارث.

نعم اتّبعنا قلوبنا، وعواطفنا، وتجاهلنا حدسنا وأغمضنا أعيننا وعقولنا، أوجعنا أنفسنا بأيدينا، ليتنا ادركنا ذلك؟

ما علينا إلا تعلّم الدرس، ونقل تجاربنا بالاعتراف بالأخطاء؟

لكننا لن نستسلم للواقع بكل ألوانه؛

ما عسعس اليأس مزهوّاً بظلمته

إلّا تنفّس في أعقابهِ الفرجُ

سيبقى الأمل معقوداً ما دام هناك شمسٌ وقمر، لا تغيب ولا يغيب.. ونبعٌ صافٍ لا ينضب من معين وينثر عطراً كزهر الياسمين.

ويُخرج الأمل من قلب الألم.. إنها أبجدية الحياة.. ولغة العالم؟

نعم.. هي ثقافة الحياة الإنسانية، هي المعارف والمهارات والخبرات المتراكمة في الحياة. هي ما اكتسبه الإنسان ووظفه لخدمة المجتمع. ربما هناك رؤى أخرى أكثر شمولاً.

 

الحياة لا تتوقف عند أحد. هي متدفقة كنهر لا قرار له. والموت حدث وتفصيل صغير في هذا المجرى السائر من الأزل للأبد. لكننا كبشر نحدد خياراتنا، أهدافنا، طرق حياتنا، هل نعيش بعمقنا الإنساني والوجداني، وبكل استحقاقات هذا العمق؟!

أم نبحث عن خيارات عنفيّة، لترسيخ ما اخترناه؟!

هل نعطي لثقافتنا بعدها الحضاري والثقافي والاجتماعي والإنساني؟

نحن_ السوريين_ أصحاب حضارة عمرها أكثر من 7 آلاف عام، سليلو ثقافات كانت ربما متواشجة أو متصادمة، وأحياناً عنفية.

لكن أرضنا معطاءة، وستنتج ولادة ثقافة تختزل الأجمل، وستطرح الزبد بعيداً.

وستجيب على أسئلة الحاضر والمستقبل.

فالصراع بين القديم والجديد أزليّ، وسينتصر الإنساني. وربما لن يستسلم الماضي الذي مازال يرغب بنشر الكراهية والبغضاء. وستغيب دهاليز الخديعة والمراوغة خلف الحقائق البديعة..

فالنجاح صديق الحقوق. والسقوط لثقافات التعصب الأعمى الإيديولوجي، والإرهاب الفكري والظلامي.

في بلادنا، النجاح فقط لثقافة الحوار والتسامح، التي هي دربٌ وحيد لحصانة المجتمع.

أعيدوا قيم العدالة والإنسانية والخير والجمال والعيش المشترك. فنحن سوريون قبل أيّ اعتبار، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية والقومية بكل أشكالها وأنواعها.

العدد 1140 - 22/01/2025