مناجل صغيرة
وعد حسون نصر:
أيدي أطفالنا التي غزت الحقول والمعامل وحتى مكبّات القمامة، وفي الوقت ذاته غابت عن مقاعد الدراسة، يكاد لا يخلو محل تجاري من وجود طفل بصفة شغيل، ولا يوجد ورشة صناعية صغيرة إلاّ وفيها عدد من الأطفال العاملين، كذلك محال إصلاح السيارات أو الكهربائيات وغيرها من المهن الصعبة لا بدّ أن تجد فيها طفلاً أو أكثر بغاية العمل. عاماً بعد عام تكتظ الأسواق بالأطفال بينما تخلو مقاعد الدارسة من روادها، لقد زُجَّ بالأطفال في سوق العمل تحت ذريعة الأزمة والفقر والظروف المعيشية القاسية بما يُهدّد مستقبلهم التعليمي ويفقدهم حقوقهم الأساسية كأطفال، ويحرمهم من متعة الرعاية والعيش تحت كنف أبوين، ويحدُّ من فرصهم في تحديد مستقبلهم، وبالتالي يتعرّضون في سن مُبكّرة لظروف عمل صعبة لا تناسب بنيتهم الجسدية والعقلية، كذلك التعرّض أحياناً لإعاقة بسبب احتمال إصابة عمل بآلة حادة أو غيرها، وهذه الإعاقة إن كانت دائمة قد تُسبّب للطفل تعباً نفسياً وعدم ثقته بذاته وقدراته بما يُعيق ويُعرقل مسار حياته لاحقاً.
من قال إن دور الطفل في المجتمع يقلُّ أهمية عن دور البالغ؟ لكن هذا الدور لا يفرض على الآخرين زجّه في أعمال لا تناسبه، وبالتالي فإن توجيه سلوك الطفل نحو الصواب وتوفير الحماية والرعاية الاجتماعية له وتنمية مواهبه وتقديم الرعاية الصحية ومنحه التقدير والثقة وتعزيز القيادة في داخله ينعكس على عطائه في المستقبل داخل المجتمع، وبالتالي يُعزّز من فرص النجاح لديه في كل المجالات.
يتجاهل كثيرون تأثير هذه العمالة على مستقبل الأطفال والمجتمع، فالتعرّض لإصابات داخل العمل وما ينتج عنها من إعاقات جسدية يجعلنا نرى نسبة لا يُستهان بها من الشباب الذين يحملون إعاقات جسدية تحدُّ من فرصهم بالعمل. إن توجيه فكر الطفل باتجاه العمل باكراً قد يحدُّ من نشاطه الفكري، وبالتالي يقلّص من نسبة المبدعين في المجتمع، فلمَ لا نعالج الأسباب الجذرية لعمالة الأطفال؟
ولا شكّ أن البداية تكون بالتشدّد في تطبيق قانون التعليم الالزامي وفرض عقوبات صارمة من سجن وغيره من عقوبات مادية لكل من يقوم باستغلال طفل في سن الدراسة للعمل لديه، كذلك معاقبة الوالدين أولاً وقبل الآخرين. الالتزام بالسن المفروض للراغب بالعمل تحت ضغط الظروف الخاصة كغياب المعيل وغيرها مع فرض السلامة الصحية في سوق العمل، بما في ذلك وضع قائمة تُحدّد الأعمال التي لا تناسب الأطفال بسبب خطورتها عليهم، هنا نضمن حماية الطفل ونُعزّز لديه ثقته بذاته وقدراته ومدى أهميته في بناء المجتمع بأن نجعله مسؤولاً عن حماية ذاته باعتباره شخصاً ذا قيمة وفعّالاً ولا يقلُّ بشيء عن الآخرين. كذلك عندما نقدم أنشطة تربوية داخل بعض المراكز التي تُعنى بالطفولة، وخاصة لهؤلاء الأطفال المُهمّشين في المجتمع نكون قد رفدنا نسبة من الأطفال لا يستهان بها داخل كوادر بناء المجتمع بطريقة سليمة يمكنها أن تعطي وتُنمّي وتُعزّز من النشاط المهني، وبالتالي نُخفّف من نسبة المُشرّدين في الشوارع وتأثيرهم على الحياة الاجتماعية.
لذلك، لابدَّ من:
-تعزيز عمل المؤسسات التربوية والاجتماعية والمؤسسات التعلمية لحماية هؤلاء الأطفال والحفاظ على حقوقهم داخل مجتمعهم من خلال فرض التعليم الإلزامي.
-إقامة مراكز رعاية صحية ونفسية واجتماعية لأطفال الشوارع المهمشين والذين تفاقم عددهم بسبب الحروب والأزمات.
-عدم استغلال الأطفال وعدم الاتجار بهم باستغلال ظروفهم الاجتماعية والمادية لغايات شخصية.
-عدم سلخ الطفل عن أسرته وزجّه في صراعات الأسرة.
بالتأكيد، هذا الكلام بالدرجة الأولى موجّه للأبوين، ومن ثمّ لأولئك المعنيين بالعملية التربوية والتعليمية في الجهات الرسمية، لأن الأطفال هم مستقبل البلاد ورُسلها إذا ما تمّ استغلال مواهبهم وتنميتها والاهتمام بالجانب التعليمي أولاً، كذلك تعزيز حضورهم ورأيهم في المشاركة ببعض القرارات والحلول التي تُعنى بطفولتهم، فهم أكثر الأشخاص قدرة على معرفة ما يسعدهم وما يغضبهم.. لذا، أحيطوهم بالحب ليحيطوكم بالعطاء ويمنحوكم وطناً مبنياً بسواعدهم التي أزهرت محبة باحتضانكم لهم.