أثر الأزمة السورية على نفسية الأطفال وأساليب المعالجة

تباينت مواقف الشارع السّوريّ  إبّان إعلان الولايات المتحدة عن الضربة العسكرية، فقسم تملكه الخوف والقلق وسارع إلى الأسواق لشراء الحاجيات اليومية الضّرورية، لتكديسها في المنازل، أمّا البعض الآخر فأخذ بترتيب حاجياته كي يسافر إلى خارج الوطن.

أمّا القسم  الآخر فتابع حياته العادية غير آبه للنفير العسكري الّذي أعلنه الغرب. وبرأي هؤلاء أنّ الحرب الّتي تخوضها سوريّة ليست حرباً عسكرية أو أمنية فقط، وإنما هي أيضاً حرب ثقافية تربوية دينية واقتصادية وحرب نفسية بالدّرجة الأولى.

 

هل لوسائل الإعلام دور في هذا التباين  بين مواقف الشعب؟

 يجيب المربي باسل بأنّه قبل الأزمة لم يكن جميع الأشخاص مهتمين بالسّياسة، أو على الأقل متابعين لنشرة الأخبار. أمّا منذ بدء الأزمة، فأصبحت جميع شرائح الشّعب تتابع الأخبار، وتقرأ التّحليلات السّياسية، وبالتّالي فإن تأثير الإعلام النّفسي سيكون أكبر على الفئة الّتي لم تكن تتابع التّطورات السّياسية في العالم، لأنّها غير معتادة على سماع الأخبار أو قراءة الجرائد وتحليل مضمونها.

 

الاتفاق الروسي الأمريكي.. وتوتر الشّعب

تؤكّد الطّبيبة النّفسية سلوى أنّ الاتّفاق خفف من القلق الّذي تسرب إلى العديد من الأسر، فعوضاً عن شراء الحاجيات لتكديسها، أخذوا يهتمون بإعداد أطفالهم للذهاب إلى المدرسة. وتضيف لقد بات معروفاً أنّ الحرب على سورية هي حرب نفسية، هدفها النيل من إرادة الشعب على الصمود وتصميمه، وتجاوز هذا الموضوع ليس بالأمر السّهل، ولا يتم بين ليلة وضحاها، بل هو بحاجة إلى خطّة تربوية. وتابعت مؤكّدة أنّ العمل التّربوي لا يمكن أن تقوم به مؤسسة واحدة، بل هو يمتد ليشمل الأسرة والحيّ والمدرسة والجمعيات الأهلية وغير الأهلية في المجتمع المدني، هذا التّشارك بين مؤسسات المجتمع ،وزارات وجمعيات، كفيل بالتخفيف من حدّة القلق والتّوتر.

 

هل تركت التّغيّرات السّياسية أثراً على نفسية الطّفل السّوري؟

من المعروف أنّ الحرب لا تمرّ مرور الكرام على الأطفال، بل إنّها تثير في أذهانهم العديد من الأسئلة المستعصية وتزرع الخوف والقلق، ويكون التّعامل مع الأطفال الّذين شاهدوا تأثير الحرب على ذويهم أصعب بكثير.

يبقى السّؤال الّذي يسأله العديد من الأسر، والعديد من المتطوعين في مراكز الإيواء؛ كيف نشرح أسباب الحرب للطفل؟ وكيف نخفف من تأثيرها عليه؟

يبين الاختصاصيون التربيون أنّ الطّفل يعبّر عن خوفه وقلقه بأسئلة، فهي تعمل على تهدئته وتعيد إليه الشّعور بالأمان. فمن الضّروري استغلال هذه النّقطة وفتح حوار معه ليطلق العنان للمشاعر الدّفينة في داخله، وتوجيهها توجيهاً صحيحاً مع إيضاح بسيط للموقف الّذي شاهده أو تعرض له مع تّأكيد عدم ترك الأطفال وحدهم يشاهدون المجازر الّتي تُعرض يومياً على شاشات التّلفاز، فهذه اللّحظات هي من أهم اللّحظات في حياة الطّفل. فإذا ترك وحده فسيزداد أثرها السّلبي في داخله على المدى القريب والبعيد.

ولسلوك الوالدين أمام أطفالهم دور كبير في زيادة القلق لديهم أو التّخفيف منه، فمن الضّروري أن يبذل الوالدان جهدهما في المحافظة على هدوئهما والعمل على تلطيف الأجواء وعدم إظهار مخاوفهما من الحرب، وعوضاً عن ذلك التّحلي بالتّفاؤل والأمل بزوال الحرب، وأن يعبّرا عن قدرة الشّعب السّوريّ على تجاوز الأزمة.

ولكي نتمكن من زرع أفكار إيجابية في قلوب أطفالنا، يقترح الاختصاصيون ألاّ نمنعهم من الحركة، لما لها من أثر إيجابي في التّخفيف من حدّة القلق، فاللّعب خارج المنزل كفيل بتفريغ الشّحنات السّلبية الّتي تراكمت في نفوس الأطفال إثر سماعهم خبراً سيئاً.

إنّ العودة إلى المدرسة وانكباب الأطفال والفتية والشّبيبة على الدّراسة يشغل بالهم بالدّروس، ويبعدهم عن التّفكير بالأحداث ومجرياتها، ومن الضّروري أن تهتم المدارس بزيادة حصص الأنشطة لتفسح مجالاً للفتية والشبيبة للتعبير عن مخاوفهم بطريقة صحيحة وإيجابية وبإشراف من المختصين.

أخيراً، إنّ الألم الّذي تعيشه سورية الحبيبة كبير، ولكن يبقى الأمل بجيل الغد أكبر، وهذا يتطلب منا أن نكثف جهودنا لبناء مستقبل جميل لهم.

العدد 1140 - 22/01/2025