هل تحفيز الأبناء ضروري لتغيير سلوكهم؟!

نُشاهد اليوم في الشّارع السّوري أطفالاً بعمر عشر سنوات وما دون يدخنون في الزّوايا، ويتحرشون بالمارّة لكسب حفنة قليلة من النّقود، لتقديمها إلى شخص أكبر منهم سناً يكون بانتظارهم عند الناصية الأخرى من الشّارع، فهل سنتمكن من مساعدة أولادنا الّذين عاشوا تجارب صعبة وشاركوا ببعض العمليات المسيئة لطفولتهم ولبراءتهم على يد بعض الجماعات الإرهابية لإعادة دمجهم في المجتمع؟ وما هو الحلّ الأمثل لإعادة الطّفولة المسلوبة لأولادنا؟!

إنّ تحفيز الأبناء هو الطّريقة الأمثل لتغيير سلوكهم، فالتّحفيز الحقيقي يأتي من داخل الطّفل، لا من ضغوط خارجية من الآباء أو المربين.

هذه بعض الطّرق والاستراتيجيات التي تهدف أن يعرف كُلّ طفل إمكاناته ويُدرك أهدافه الشّخصية، ومن الممكن الاستفادة من هذه المقترحات لتطبيقها في الحوار مع الأطفال داخل مراكز الإيواء:

 1. ساعدوا أبناءكم في اختيار أهدافهم الشّخصية: إنّ جزءاً من محبّتنا لأولادنا هو مساعدتهم في تحقيق أهدافهم، لا أن نسيطر عليهم بأهدافنا، فإذا دفعنا لهم بأهدافنا فإنّ التّحفيز لن يستمر، لأنّه سيكون بضغطٍ خارجي بدلاً من التّحفيز الحقيقي من داخلهم؛ تحدّثوا معهم عن أكثر شيء يُحبّونه، وناقشوهم من هم الأشخاص الّذين يرغبون بأن يكونوا قدوتهم، وما هي الأسباب الّتي دفعتهم لذلك، حاولوا أن تدعوهم لمقابلة أشخاص مهمين وناجحين ضمن المجال الذي اختاروه، فمثلاً: إذا اختار الطّفل أن يكون رياضياً مشهوراً، حاولوا تحديد موعد مع رياضي ناجح ليقابله ويتناقش معه، وبهذا تكونون قد قدمتم لهم قدوة مثالية بعيدة عن الأشخاص السيئين الّذين قد يصادفهم الطّفل في الشّارع ويقوم باستغلالهم.

2. قوّة المديح السّريّة: إنّ أقوى الدّوافع المحفزة للآباء هو المديح، خصّصوا من وقتكم كلّ يوم دقيقة واحدة لتثنوا فيها على أولادكم، من الممكن أن تستخدموا عبارات إيجابية مثل: (لقد كان أداؤك مميّزاً اليوم وأنا أرى أنّك ستكون أفضل غداً)، أو (لقد لعبت بشكلٍّ جيّد مع رفاقك يمكنك الانضمام إلى الفريق) إلخ… من الممكن التقاط بعض الصّور لهم وهم يعملون ووضعها على الحائط لكي يراها الجميع.

3. توقعوا الأفضل دائماً من أبنائكم: لقد تعلّمت من خبرتي البسيطة كمربية بأنّ الأطفال يستطيعون الإحساس بما نتوقعه منهم، فإذا أحسّوا بثقتنا الكبيرة بهم فإنّ ذلك سيؤدي إلى أن يتصرفوا بمسؤولية كبيرة.

يستطيع أولادنا أن يحققوا أشياء رائعة إذا أُعطوا الفرصة والتّشجيع، لقد وضع اللّه سبحانه وتعالى في كلّ شخص منّا إمكانات تميّزه عن الآخر، لذلك مهمتنا كآباء ومربين أن نبلّغ أولادنا بأنّهم يجب أن يسعوا لكي يتمكّنوا من تحقيق أهدافهم وأحلامهم حتّى ولو بدت الآن مستحيلة وصعبة خاصّة للأطفال الّذين مرّوا خلال الأزمة بظروف قاسية إلا تذكيرهم باستمرار بالكنز الثمين الموجود بداخل كلّ واحد منّا كفيل لكي يضع الطّفل هدفاً له يسعى لتحقيقه.

4. ساعدوا أولادكم على إنشاء صورة شخصية أكثر إيجابية: إنّ التّفكير الإيجابي يعطي الطّفل حافزاً أكبر، فكلّما قلّ شعور المرء بقيمته، قلّت قدراته العقلية والجسمية. فالصّورة الّتي يأخذها الطّفل عن نفسه تؤثر عليه في كلّ نواحي الحياة مثل الملبس، المناقشة، تعبيرات الوجه، الخ..

من الضّروري أن نجعل أولادنا يشاركون في نشاط واحد على الأقل يستطيعون النّجاح فيه، وكلّما زاد نجاحهم في النّشاطات المختلفة، زاد ذلك من قيمتهم الشّخصية. من مهمتنا آباء ومربين أن نساعدهم بالفعل في تحقيق شيء واحد على الأقل، سواء كان ذلك العزف على آلة، أو السباحة، أو الرسم… علينا البحث عن نشاط يحبّه الطّفل ثُمّ نتركه يشعر بأننا نثق به وبأنّه يستطيع تحقيق هذا العمل.

5. كونوا أصحاب عزيمة: أهم خبرة ممكن أن يكتشفها الآباء والتّربويون هو مدى التّحفيز الّذي يملكه الإصرار، ولكن بمعرفة ذلك لا بدَّ أن نكون شديدي الحذر لئلا نخلط بين الإصرار والإلحاح، فالإلحاح شيء سلبي أساساً، فهو نقد لشخص لا يتصرف بالطّريقة الّتي نريده أن يتصرف بها، والإلحاح عادةً ما يعكس الأنانية مثل: (أنت لم تبدأ بتنظيف غرفتك بعد؟ أو أنت لم تنظفها بالأمس! أو متى ستنظف تلك الحجرة؟! الموضوع نفسه ونبرة الصّوت الّتي تتكرر بعناد مرّة بعد مرة قد تسبب الرّفض لدى الأطفال، ويمكن أن تقلل من قيمتهم لأنفسهم، فهم يبدؤون فعلاً في تصديق ما يسمعونه: أنا لا أستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح.

أمّا الإصرار فهو أن نقول شيئاً ما نعتقد أنّه هام، فنذكره بطرقٍ مختلفة وأوقاتٍ مختلفة ونبرات صوت مختلفة. فإذا كنّا آباء ومربين نتعامل مع أولادنا بحماسة فإننا سنلهب الحماسة في قلوبهم الصّغيرة، وقد اكتشفت خلال مسيرتي كمعلّمة بأنّ البقاء بجانب شخص متحمس يشبه البقاء بجانب شخص يضحك فهو مُعْدٍ حتّى إذا لم تكن تعلم سبب ضحكه، فإنّك ستجد نفسك تبتسم ثُمّ تضحك بصوتٍ خافت، ثُمّ تبدأ بالقهقهة.

6. اعملوا على تنمية قناعات قويّة بداخلكم: من الضّروري جداً لنا – آباء ومربين- أن نقيّم قناعاتنا بشكلٍّ دوري، ما الّذي نظنه مناسباً لأولادنا؟ ما هو الصّواب وما هو الخطأ بالنسبة لهم؟

فمثلاً الأمّ الّتي تحبّ أن تعلّم أولادها مهارات الاتصال، عليها أن تقوم بالبحث عن معلومات ترشدها لكيفية تعليم تلك المهارات، وتبذل جهدها لأن تكون متنبهة لأي شيء يساعدها على تحقيق هدفها، لأنّ اقتناعها مهم جداً لكي تتمكن من تربية أولادها على التّواصل الصّحيح مع الآخرين.

7. أنصتوا بمحبّة لأولادكم: قد تثبط همم أولادنا للعديد من الأسباب، مثل الألم، عدم قدرتهم على تحصيل علامة جيّدة، اقتناعهم بأنّ هناك دائماً شخص أفضل منهم ولو قليلاً… أيّاً من هذه الأسباب قد يجعل الأطفال يفقدون طاقاتهم. أسهل طريقة للتعامل مع ذلك هو أن يضع شخص يهتم بهم بصدق ذراعه حولهم ويربت على ظهرهم، حين نصغي بصدق لهم نفتح المجال لكي يعبروا عن مشاعرهم بشفافية ووضوح، وهذا كفيل بإخراج الطّاقة الّتي بداخلهم ويحفزهم على العمل بنشاط. يمكنكم استخدام العبارات الآتية: (أنا أعرف بأنّك حزين اليوم، هل تريد التّكلم بالموضوع؟ أنا أعلم بأنّ ذلك صعب ولكن معاً يمكننا فعل ذلك).

بعد هذه المحاولة، عليكم انتظار بعض الوقت قبل أن تبدؤوا بإخبار طفلكم كيف يعود مرّة أخرى إلى الطريق. في بعض الأحيان نحاول تصحيح الأشياء بسرعة كبيرة حتّى إننا نثقل عليهم، أعطوا أطفالكم وقتاً وستندهشون بالنتائج.

إنّ المقترحات السّابقة هي أدوات لتحفيز أولادنا ولكن علينا ألا ننسى أنّ التّحفيز الّذي يستمر لابدّ أن يخرج من الطّفل نفسه، فالأساليب المحفّزة، هي أساليب مؤقتة، مهمتنا -آباء ومربين- أن نساعد أولادنا على وضع أهداف لهم، وأن نثق بهم بما فيه الكفاية لنساعدهم على جعل الصّعوبات والتّحديات الّتي تمرّ بهم جسوراً للانطلاق نحو الحياة الحقيقة؛ أمّا بالنسبة للأطفال الّذين يعيشون في مراكز الإيواء فهم بحاجة لأن يقوموا بأعمال تناسب قدراتهم وإمكاناتهم لكي يشعروا بأنّهم مثمرون وبأنّ المجتمع بحاجة إليهم، فالعمل وحده القادر على إخراج الطّاقة السّلبية الّتي زرعت بداخلهم.

العدد 1140 - 22/01/2025