أثر الأزمة على نفسية الأطفال
اجتمع في التّاسع عشر من شهر أيلول من عام 1990 أكبر حشد من قادة دول العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لمناقشة جدول أعمال مكوّن من بند واحد، ألا وهو الأطفال.. وفي ختام تلك القمة الّتي لم يسبق لها مثيل في التّاريخ، تبنّى 91 شخصاً من زعماء دول العالم ورؤساء الحكومات، إضافة إلى 18 ممثلاً معظمهم برتبة وزير؛ إعلاناً بالالتزام ببقاء الطّفل وحمايته وتنميته، ووضعت خطّة عمل لتنفيذ بنود هذا الإعلان، الّذي نال فيه أطفال العالم وعوداً طموحة.. ولكن للأسف لم يتحقق منها شيء؛ بل على العكس زادت الانتهاكات العلنية بحق الأسرة والطّفل، وقد لمسنا -نحن السوريين- ذلك خلال الأزمة الراهنة، وما تعرضت له الأسرة السورية من تهجير؛ كان صدمة نفسية تركت آثاراً سلبية عديدة على الأطفال، كصعوبات في النّطق، التبول اللاإرادي، الخوف من الوحدة، التّعلق المفرط بالوالدين، صعوبات في النّوم، صعوبات في الأكل، خوف من الأماكن الغريبة والغرباء، فرط في الحركة وعدم استقرار، مشاكل في التّركيز والاستيعاب، ضعف الثّقة بالنّفس، وأهم من ذلك رفض الأطفال الخروج من منازلهم للعب أو التسلية بسبب الخوف الذي تملكهم، إلخ.
ما هو الحلّ؟ هل ننتظر أن تبادر الأمم المتحدّة بمعالجة أولادنا.. أم نبادر نحن كسوريين بالمحافظة على بناة مستقبل سورية؟!
إن معالجة الآثار النفسية عند الأطفال الناتجة عن الأزمة، تحتاج إلى حلول على مستوى مجتمعي واسع، فهي مسؤولية المجتمع بشقيه الرسمي والمدني. أيّ إننا بحاجة إلى تضافر جميع الجهود، لأنّ هذه الفئة من المجتمع هي مستقبل سوريّة، فإذا لم نهتم بهم ونوليهم الرعاية الكافية، فإنّ مستقبل بلادنا سيكون مهدداً بالخطر.
ومن أهم الأنشطة التي يمكن ممارستها مع الطّفل هي توفير فعاليات ضمن إطار نفسي – اجتماعي، أي العمل على تحويل المعاناة إلى تعبير، فيجب أن لا يكون العلاج النفسي استنطاقاً كما يحصل في الكثير من الأحيان، بل السعي لتحويل المعاناة إلى ألعاب ورموز لفظية وكلمات.
مثال على ذلك، طفل في أحد مراكز الإيواء، يرسم دائماً صورة لبيت وبقربه صنبور ماء، وذات يوم رسم البيت، ونسي رسم صنبور الماء، فعاد بسرعة لرسمه، وبعد سؤاله عن السبب، تبين أن منزله قد احترق أمام عينيه، ولم يكن هناك ماء لإطفاء الحريق.
كيف نتعامل مع الأسرة؟!
يردد الاختصاصيون دائماً العبارة الآتية: عندما تشفى الأسرة يشفى الولد، وبالتالي نبدأ ببناء المجتمع.
إن اعتماد أسلوب العلاج التعبيري مع الأهل وفتح باب الحوار والمناقشة معهم ودعوتهم لإغلاق صفحة الماضي والتّطلع نحو المستقبل، لأنّه عندما يمرّ الإنسان بأزمة أو صدمة، يفقد رغبته في الكلام والحديث، فالعلاج هو محاولة إخراجه من دائرة الصّمت.. إنّ هذا الأسلوب يحتاج إلى وقت وصبر، ولكنّه يحقق نتائج مذهلة مع الزّمن، خاصّة على مستوى تحرير العائلة من عقلية الزّجر والنّهي الّتي تتميّز بها مجتمعاتنا العربية، والّتي ظهرت بقوة نتيجة الضغط الّذي مرّت به الأسرة السّوريّة، فقد بات الأب ينهر الأمّ بصوت مرتفع، وهي أيضاً تنهر أولادها، والأولاد ينهرون بعضهم بعضاً وينهرون أصدقاءهم في المدرسة وهكذا… نحن بهذه الطّريقة نربي أولادنا على مجموعة من الأفكار السّلبية مثل: (طفلي لا يأكل، خجول، قصير القامة، ضعيف البنية، كسول في المدرسة، لا يقوم بواجباته، إلخ..) جميعها تعابير سلبية، أيّ أننا نعمل على تربية أولادنا على السّلوك السّلبي، ولا نعمل على بناء الكائن الإيجابي في المجتمع، لذلك تأثر أولادنا خلال الأزمة، وانقادوا وراء أشخاص عززوا لديهم هذا التّفكير السلبي، لأنّهم اعتادوا أن يكونوا منقادين من قبل غيرهم، تحت شعار (ثقافة الطّاعة)، أو (أدب القمع). إنّ الفكر السّلبي والقمع والتّعود على الطّاعة العمياء والسّكوت على الخطأ والتّعود على السّلطات المتعددة من البيت إلى المجتمع، كل ذلك يجعل عملية التّغيير والإصلاح صعبة ومعقدة.
فنحن بحاجة إلى اعتماد أساليب تربوية حديثة تعتبر الطّفل العنصر الفاعل في المجتمع، ومهمتنا كمربين أن نوّقظ هذه الفعالية، أي أن نبني الإنسان الإيجابيّ والمسؤول والمتفاعل تفاعلاً صحيحاً مع الآخرين.
ما هو دور المدرسة؟!
تأتي المدرسة بعد الأسرة من حيث دورها في تنشئة الطّفل، فقد أثبتت تجارب الدّول المتقدمة أنّ أسلوب التّلقين وحشد أكبر كمية من المعلومات في ذهن الطّفل، لا تعمل على بناء شخص منفتح قادر على مواجهة الصّعوبات والتّحديات وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الّتي تعترضه، أمّا عندما تعمل المدرسة على إعطائه فرصة للاختيار، يُساعد على تنمية شخصيته ويرفع مستوى التّحصيل العلمي والاجتماعي لديه.. لذلك مهمتنا أن نعمل على تحويل مدارسنا إلى محيط صحيّ وبيئة سليمة تساعد على تنمية التّفكير الإيجابي لدى أولادنا، والعمل على بناء علاقة سليمة بين الأهل والمدرسة في سبيل اعتماد مبادئ التّربية السّليمة.
إنّ الظّروف الصّعبة الّتي مرّت بها الطّفولة السّوريّة تفرض علينا التّفكير في الإمكانيات الّتي تؤدي إلى تطوير العمل التّربويّ الاجتماعي على مستوى السّلوك والتّصرف.
إنّ تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشية، وعدم توفر الخدمات العامّة الأساسية وتلوّث البيئة، سيؤدي في حال عدم توافر الحلول السّليمة والسّريعة للواقع الاقتصادي والاجتماعي الّذي أنتجته الأزمة إلى نتائج سلبية فيما يتعلّق بالتّنميّة الصّحيّة للمواطنين، خاصّةً منهم الأطفال.
كلّ الظّروف الصّعبة الّتي مرّ بها الطّفل السّوري تعتبر خرقاً لاتفاقية حقوق الطّفل، وهو بالتالي يؤثر سلباً على نموّ الطّفل الصّحي والنّفسي.. إنّ التّنميّة عملية واضحة تعتمد بكلّ مدلولاتها على جعل الإنسان محوراً أساسياً لأهدافها، فالطّفل بحاجة أكثر من غيره إلى تنمية سليمة في ظلّ ظروف طبيعية وعدالة اجتماعيّة حقيقية.. فأين أنتِ يا لجنة حقوق الطّفل من كلّ ما يحدث في المجتمع السّوريّ؟!