أمّ في زمن الحرب

كم تمضي الأم أياماً وليالي لتسهر على راحة أبنائها! وكم تقطع عن نفسها لقمة الطعام لتضعها في فم طفلها لتسدّ بها جوع ذلك الطفل نفسه الذي عندما يكبر ويقدم لها شيئاً يعتبر نفسه أنه ضحى لأجلها ويمنّنها بما قدّم، وهذا من صفات الكثير من الأبناء، لكن هنالك أولاد لا تقف أنانيتهم عند التكبّر بل تصل إلى درجة العقوق. وسأحكي حكاية حقيقية أعرفها، فهذا ولدٌ ذاق حناناً من أمه التي تركها زوجها أرملةً مع عدد من الأطفال، عاشت أيامها تسهر على راحة أبنائها، وكبروا وذهب كل في مكان وبقي لديها أصغر ابنائها تدلّله وتعطيه كل ما تستطيعه ليكون سعيداً، ومرّت الأيام إلى أن جاءت هذه الأزمة الثقيلة، فدفعت بالولد أن يترك أمّه تحت الخطر تواجهه بمفردها، وفي جوّ الحرب التي اشتدّت اضطرّت أن تغادر البيت هرباً من الموت، ولم تجد مكاناً سوى بيت ابنها لتعيش عنده، لذلك بحثت عنه طويلاً محاولة إيجاده وهكذا في بحثها بين الأقارب والأصدقاء استدلّت على مكانه في أيام الشتاء القاسية وذهبت إليه لتدق الباب بحذر وثيابها قد ابتلت بماء المطر، ففتحت الباب امرأة ونفحتها نسمات دافئة من داخل البيت، ألقت عليها السلام وسألتها: هل هذا بيت سامر؟ فترد عليها باشمئزاز:نعم، لكن من أنت؟ فأجابتها: أنا أمّه لكن من أنت؟ فردت عليها: أنا زوجته فتفرح وتتفاجأ وتقبل عليها محاولة ضمها، لكنها تفاجأ بأنها تدفعها مبعدة إياها بقولها: ملابسك مبتلة ومظهرك غير لائق! ظهرت عليها مظاهر الألم والأسى والحزن  فقالت بصوت هادئ وحزين: هل يمكنني أن أرى ابني ؟ فجاوبتها: سوف أناديه إليك، انتظريني لا تدخلي. وقفت منتظرة مجيء ابنها وهي تقول بنفسها: لا بأس، ابني لا يدري وسوف يفرح للقائي، لكنه خرج إليها وبيده هاتفه المحمول، ألقى عليها السلام بعدم اكتراث، فوقفت لحظة تسأله عن حاله، فقال لها بجفاء: (إني بخير)، دون أن يدعوها للدخول. وقفت مصدومة وخاصة عندما سألها: ما الذي تريدينه؟ فتصمت وتحني رأسها ماسكة حقائبها: لاشيئ يا بني، أردت إلقاء السلام، وتمضي وهي تسمع صوت الباب يغلق وتأسى لحالها والدموع بعينيها، وتدور الأفكار ببالها لتقول لنفسها: نعم، هذا هو سامر، لكن ماذا حل بالعالم وبالدنيا؟ هل أنا أحلم أم هذا حقيقة؟؟ انسكبت الدموع من عينيها. وجدت نفسها أمام حديقة عامة، تتقدم إليها لتأويها وتنام تحت شجرة صغيرة تاركة في نفسها آلاما كثرة وأموراً تدور بخاطرها تذبح صدرها..

 فعلاً هنالك أصناف من البشر تنسى آيات من السماء تقول: (وبالوالدين إحساناً)؟!

العدد 1140 - 22/01/2025