مراهقون مبدعون ..ومراهقون محبطون
ما زالت ببالي تلك الزاوية التي كتبها يعرب العيسى في إحدى صفحات هذه الجريدة، وكانت حينذاك فقط ورقية، لم تكن بعد الصحف قد أرفدت بنسخ إلكترونية، لا أذكر العام بالتحديد لكن ما أذكره فقط ماكانت تحمله تلك الزاوية من ألم يعيشه شباب سوريون، ألمٍ يعني الإحباط واليأس والانكسار، بدل الفرح والأمل، وقد بدأ زاويته بيوم كسوف الشمس الذي حدث عام 1999. يومذاك خرج أحد ما على شاشة التلفزيون السوري، المنبر الوحيد تقريباً قبل انتشار القنوات الفضائية بشكلها الحالي، ليحذّر الناس من النظر إلى الشمس أثناء الكسوف خوفاً من العمى، وهنا يتحدث الكاتب عن الطاعة العمياء التي أظهرها السوريون عندما استخدموا البطانيات السميكة في تغطية النوافذ وعدم النظر أبداً إلى الشمس وهي تنكسف، فغاب عنهم مشهد تحتفل به شعوب أوربية وأمريكية، وتساءل هنا عن شعب كان يوماً ما مشاكساً قادراً على التعبير عن رأيه بقوّة، فاختار لعقود ماضية جداً السياسة التي يريدها، والحياة التي كانت سبّاقة على مستوى العالم في التطور في اللباس والتعليم والمجتمع والثقافة، كيف تحوّل إلى شعب لا يستطيع حتى مخالفة مذيع يظهر على شاشة التلفزيون يأمرهم بعدم النظر إلى الشمس، ووقتذاك شهدت دمشق توقفاً للسير في كامل طرقاتها، وما لفت نظري في الزاوية الهامة التي كتبها ما تحدث به عن جيل الشباب السوري المحبط الذي قارن بينه وبين أقرانه في أمريكا وأوربا، كيف يخرج شبابنا من قاعة السينما وقد صهروا داخل كل المحبطين ورأوا أنفسهم في شخصيات مهمشة ضعيفة في الفيلم، بينما يخرج الشباب في دول العالم وقد امتطوا الأبطال والمنتصرين ورأوا أنفسهم داخل كل بطل..
تذكرت تلك الزاوية وأنا أتابع رعاية الدول الغربية للمبدعين اليافعين الذين ظهرت لديهم علامات النبوغ والإبداع مبكراً، وبمتابعتي على صفحات النت، آلمني تعليقات الشباب السوري والمصري بشكل خاص، وباقي الدول العربية بشكل عام، كانت تعليقاتهم تتمحور حول اليأس الذي أصابهم ليس فقط نتيحة ما يحدث، بل هو متعلق بكل النظام التعليمي الذي يلغي رغبة الطالب أمام علاماته، يلغي طموحة وأمله أمام امتحان هو الذي يقرر المصير، ومن بعده تأتي أعوام الجامعة التي تتبع نظاماً تلقينياً يلهث الطالب فيه وراء العلامات بدلاً من البحث عن مواد جديدة وأفكار مبدعة، تحدثوا أيضاً عن أحلامهم التي تتقوقع أمام المادّة، فلا رعاية للمتفوقين ولا اهتمام بالأفكار الجديدة، بل استهتار بكل ما يأتي به الشباب وخاصة أمام الفقر، فأين هي البنوك التي ترعى الشباب؟ وأين هي المدارس والجامعات التي تفتح المجال أمام الإبداع؟ انحدر التعليم انحداراً أكبر بوجود الجامعات الخاصة التي كان عليها أن تكون ثورة في عالم التعليم إلا أنها كانت صورة عن الجامعات الحكومية، وبمبالغ لا يستطيع ذوي الدخل المحدود أن يتحمّلها، ما يعني إحباطاً أكبر لشبابنا ضمن عالم يتيح الفرص للجميع لكن خارج أسوار الوطن..
وها نحن ما زلنا ننتظر يوماً يعيشه شبابنا أقوياء وأبطالاً مفعمين بالأمل والطموح، لكن داخل الوطن لأن شعبنا يستحق..