توافق السوريين يلجم المتكسبين من دمائهم وآلامهم
قد تبدو الأمور واضحة للبعض، بسيطة تسير في اتجاه واحد، لكن ما خُطّط لسورية قبل الأزمة، وما نتج عن هذه الأزمة من تداعيات، وما عانته فئات الشعب السوري المختلفة، أظهرت لا للبعض، بل للجميع، كم كنا محقين حين وصفنا أزمتنا بأنها مركبة. فأسبابها لا تندرج فقط في خانة السياسي الاقتصادي والاجتماعي، بل في جملة من المظاهر الخبيثة التي برزت قبل الأزمة، وكان لرموزها دور هام في تصعيدها واستفحال أخطارها، إنهم الفاسدون وناهبو الدولة ومستغلو الفرص، الذين أثروا على حساب آلام الجماهير الشعبية وتدهور أوضاعهم المعيشية، والمندمجون بعد ذلك بالمخطط المعد في مطابخ الأمريكيين والأوربيين والخليجيين، لإزاحة العقبة السورية الممانعة لتشكيل إقليمي جديد يحقق المصالح الأمريكية والصهيونية في الهيمنة ونهب الثروات.
هناك من يحمّل مطلب الديمقراطية، الذي ساندته قبل الأزمة وخلالها مختلف القوى السياسية والمجتمعية في البلاد، وزر ما حصل، ويحصل، ويدفع بأوّلية الخبز والأمن. وهناك أيضاً من اختصر الأزمة من بابها إلى محرابها في جانبها السياسي، وتجاهل عن قصد الحامل الطبقي.. الاجتماعي للديمقراطية المنشودة، ودفع بأوّليتها، رغم إدراكه أن المهجّر والنازف والباحث عن لقمة العيش، لا يعبأ كثيراً بصناديق الاقتراع، خاصة إذا ما أوصلت إلى سدة الحكم نخباً، ونجوماً، تكونوا وأثروا في الداخل والخارج على حساب استمرار معاناتهم.. هناك في الخارج من يدعي زوراً تمثيل إرادة الشعب، ويحاول فرض (تهيؤاته) السياسية المشبعة بفتاوى الإقصاء والتكفير وضيق الأفق كمستقبل للسوريين، دون الأخذ بالحسبان خياراتهم وحقهم في اختيار مستقبلهم السياسي.
إن تهيئة المناخ المساعد لبدء الحوار الوطني، والذي يتطلب خلق أجواء الثقة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والموقوفين، وتوافق القوى السياسية والاجتماعية، وبضمنها بطبيعة الحال المعارضة الوطنية، كفيل برسم خريطة طريق للسوريين، تضمن لهم الديمقراطية والخبز معاً، وتضمن لسورية مستقبلاً يرسخ سياستها الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية، لكن ذلك لن يتم حسب اعتقادنا دون لجم هذه الرموز المتكسبة من دماء الشعب وآلامه.
إن طموح الجماهير السورية إلى بناء سورية الديمقراطية، العلمانية، المعادية للإمبريالية والصهيونية والرجعية الظلامية ولكل أشكال الهيمنة، الرافضة لمصير أسود رسموه لها.. الطموح إلى سورية المحققة لآمال السوريين في العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتوازنة، تقتضي، إضافة إلى توافق السوريين، قطع أذرع هذه الرموز المتعددة الممتدة في جميع الاتجاهات.