نريد قانوناً يحمينا

لكلٍ منّا خصوصيته وحريته التي لا تتعارض مع الحرية العامة للمجتمع، ولطالما حرص كلٌّ منّا على صونها وحمايتها، إلاّ أن بعض العادات التي نلحظها في مجتمعنا تسلك سلوكاً مختلفاً ومغايراً، فيعطي البعض لأنفسهم الحق في اقتحام العالم الخاص لغيرهم دون أي إذن أو موافقة من الطرف الآخر، والتحرّش هو أحد أوجه تلك المسلكيات، وله العديد من الأشكال وطرق التعبير، منها التحرش الجنسي، واللفظي، والضرب والإهانة، وغيرها الكثير، ومردُّ كل هذا لسببٍ واحدٍ، هو أننا لم نمتلك حتى اليوم ثقافة قبول الآخر بكل ما يحمله ويمتلكه ويختلف به عنّا…

وظاهرة (التلطيش) مثلاً، هي شكل من أشكال التحرّش، فمن أعطى الحق لشخصٍ متسكّعٍ بالشارع أن ينتهك حرية الآخرين وخصوصيتهم، ولاسيما الفتيات؟ فحين تنزل أنثى إلى الشارع، وسواء كانت جميلةً أم لا، متبرّجةً أم لا، أمّاً أو زوجة أو فتاةً عزباء، نجد العيون لا تفارقها، بل حتى أن ألسنة البعض أيضاً تطولها بالكلمات المتنوّعة، والتي يحمل بعضها من الابتذال والإساءة ما يحمل، مما يودي بالبعض منهنّ إلى الاعتكاف أحياناً عن المسير في الشوارع المأهولة، أو ربما تصل ببعض الأحيان إلى إلحاق الأذى بهنّ من قبل ذويهنّ، ولاسيما الذكور منهم، فالشّاب ما إن يسمع كلمةً موجهةً لأخته أو أمه أو صديقته أو ربما زوجته، حتى تتسارع شياطين الغريزة الذكورية (للتنطّط) أمام عينيه، وبالتالي يريد الانتقام لشرفه المهدور، فتنشب المشادّات الكلامية بينه وبين الآخر الذي قام بالتلطيش، وغالباً ما تنتهي بالعراك واللكمات والشتائم، بينما يقف المارة جمهوراً متفرجاً وغالبيتهم يوجهون اللوم للفتاة وكأنها هي من أعطى الفرصة للشّاب كي يقتحم خصوصيتها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن ذاك الأخ أو الزوج أو الصديق سيأخذ بثأره منها هي أيضاً، وسيعطيها دروساً في الشرف والأخلاق وكيفية المحافظة عليهما، وهويعتقد أن له الحق في أي طريقة يستخدمها لتأديبها، كالسبّ والشتم أو الضرب، وقد تصل به الأمور إلى حدّ منعها من الخروج من المنزل بدافع الحرص عليها، وكأنها بلا شخصية وغير قادرة على صون ذاتها والدفاع عنها إن هي تعرّضت لما هو مهين!!!

في هذه الحال، ليس فقط الشّاب الذي قام بالتلطيش من انتهك حرمة تلك الفتاة وخصوصيتها ، بل الذكر المعني بها أيضاً، وما يؤسف له أن مجتمعنا الذي لا يزال يرى في المرأة معياراً للشرف والأخلاق، هو نفسه من يعطي الحق للرجل في انتهاك هذا المعيار، ولا أحد يحاسبه، بل يتباهون به، وكم رأينا ونرى من عراكات في الشارع سببها هذا الموضوع، والمنتصر يتباهى بقوته وعضلاته ولسانه، غير منتبهٍ إلى أنّه بهذه التصرفات قد فعل ما هو أسوأ من ذاك الذي تعارك معه، وسلط الضوء الأحمر على أنثاه بأنها أهدرت شرفه…

في أحد الأعمال الدرامية السورية التي عُرضت منذ عدة سنوات، جرى تسليط الضوء على هذه الحالة، وكانت الفتاة تعمل محاميةً جسّدت شخصيتها الممثلة سلاف فواخرجي، وبحكم مهنتها وشخصيتها لم تقبل إلاّ أن رفعت دعوى على ذاك الشّاب الذي كان يلاحقها يومياً بكلماته وألفاظه النابية، إلاّ أن هيئة المحكمة في المسلسل اعتبرت أن هذه القضية بلا جدوى، فلا نصّ قانونياً واضحاً يسمح لها بأن تُجَرّم المتّهم، إلاّ بما يخص الحق العام، وفُضّت القضية وأُطلق سراحه بعد أن دفع كفالةً ماديةً لصالح الحق العام فقط، وخرج هازئاً بها وبمهنتها…. فأين حق تلك الفتاة؟ ومن سيدافع عنها إن كان القانون لا يحميها؟

ألم يحن الوقت لإعادة النظر في بعض النصوص القانونية، وبعض الظواهر التي باتت مُعَاشِة يومياً وتحديد علاج قانوني لها؟ وبالتالي صون خصوصية نسائنا وفتياتنا اللواتي يتحمّلن حقيقةً مسؤولية منازلهن وعوائلهن، وتحديداً في هذه الظروف التي باتت لا ترحم أحداً، والتي أرغمتهن على القيام بمختلف الأعمال لسدّ الرمق وإبعاد شبح الجوع والعوز عمّن هن مسؤولاتٍ عنهم؟

العدد 1140 - 22/01/2025