لا يبكي الرجل إلا مرّة!

(إنّ الرجل لا يبكي إلاّ مرّة، ولكن دموعه عندئذ تكون من دم)، مقولة أطلقها نابليون منذ قرون، ويقابلها في القاموس الشعبي المقولة الرائجة (دموع الرجال غالية)، هذه العبارة ضربت جذورها في عمق العادات الاجتماعية، فأصبح معها بكاء الرجل ضعفاً، ينتقص من رجولته وكيانه، وبالرغم من أن الكثيرين وجدوا في تلك العبارة قانوناً يُمَيّزُ فيه بين الرجل القوي والضعيف، إلاّ أنه في المقابل هنالك آخرون يرون في بكاء الرجل طريقة للتعبير عن مكنونات نفسه، ولا يجدون غضاضة في ذرف الدموع حيال موقف ما، لأن ذلك لا يتعارض مع إنسانيتهم، فالبكاء حالة فطرية وفسيولوجية في الإنسان، تُحرر مشاعره وتُخلصه من الكبت الذي يتعرّض له، وهو راحة للنفس والروح والجسد، لأن كبت الحزن يؤذي الشخص، ويمكن أن يُصيبه بأثر نفسي كبير، وتوعّك صحي يؤثّر على حياته.

 لكن في مجتمعنا هناك نوعان من الدموع: دموع مسموح بها وهي دموع النساء والأطفال، وأخرى محظورة على الرجال، لأن بكاء الرجل يُقلل من قدره ومكانته. فمن المتعارف عليه منذ أقدم العصور، أن البكاء من شيم النساء، وبأن دموع المرأة أسرع من دموع الرجل، وبكاء الرجل الشرقي يُضعف من شخصيته ويُنقص من رجولته، إضافة إلى طبيعة تفكير مجتمعاتنا التي تعتبر الرجل الذي‏ يبكي رجلاً مستسلماً ومتنازلاً عن مكانته، على خلاف المجتمعات الأخرى التي يتساوى فيه الرجل والمرأة بالأحاسيس والمشاعر والتأثّر.

وكما نعلم الرجل ينزف الدمعة والمرأة تذرفها وكلاهما يبكي، فعالم الرجل مختلف عن عالم المرأة التي تعوّدت على ذلك‏، وخاصة عندما تريد شيئاً من الرجل، لأنها تشعر أنها بمجرد أن بكت وذرفت الدموع فإن جميع مطالبها قد لُبّيَت على الفور دون تلكؤ، خاصة إذا أحسّت المرأة أن الرجل ذو قلب واسع وحنون، ولا يمكنه أن يرفض لها طلباً، وكما يقول المثل الفرنسي: (تبكي المرأة بدموعها لتهز العالم بيديها)‏ أما الرجل فهو على العكس تماماً، إذا بكى فإنه سيشعر بضعفه لأنه تعود أن البكاء للمرأة وليس له.. وإذا ما رآه أحد يبكي فإنه سيبقى حزيناً نادماً على ما اقترفت عيناه من ذنب، لأن بكاء الرجل بنظر المجتمع ضعف في الرجولة واستسلام للعواطف، فقد تعلمنا منذ صغرنا أن دموع الرجال لؤلؤة ثمينة، مع أننا جميعاً بكينا صغاراً وكباراً، لكنهم علّمونا أن الرجل بلا قلب وبلا مشاعر، قاسٍ كالصخر لا يبكي، لا يضحك أمام الناس، فيما سمحوا للمرأة أن تبكي ما تشاء، ليس حباً منهم في منح المرأة مزيداً من الحرية، بل لأنهم يعتبرون النساء العنصر الأضعف في المجتمع، ولا سلاح لهن سوى البكاء، فقالوا: سلاح المرأة دموعها يجردها من أيّة قدرة على مواجهة الصعاب ومواجهة التحديات، فالمرأة في الشارع العربي هي الوسيلة التي يُعلّق عليها الرجال أخطاءهم ويبررون ضعفهم.

لكن أليس البكاء ظاهرة إنسانية؟ ألا يعبر عن مشاعر الحزن أو الفرح لدى الإنسان؟ تلك المشاعر التي خُلقت في الناس فميزتهم عن الحيوانات وسائر المخلوقات؟

ألا يبكي الإنسان عندما يفقد أباه أو أمه أو عزيزاً عليه؟ ألا يبكي السجين فرحاً بعد الإفراج عنه؟ ألا يبكي الحبيب عندما يفقد محبوبته..؟ ألم يبكِ أحدٌ حزناً على الأطفال المشردين من الحروب في البوسنة والشيشان ولبنان وفلسطين وسورية؟! ألم نشاهد على شاشات التلفزيون الرجال يبكون حزناً على رحيل أبنائهم وأهلهم في الحروب؟! فلماذا يخفي الرجال دموعهم ولماذا يقهرون أحزانهم؟ نعم لماذا هذه الظاهرة المصطنعة؟ ولماذا لا نظهر على حقيقتنا ونُعلنها بوضوح تام، بأن الدموع للرجال والنساء باعتبارها ظاهرة إنسانية إيجابية عندما تسقط في أوقاتها المناسبة..

لماذا لا نكف عن منح الرجال سوى فرصة واحدة للبكاء ألا وهي في الظروف الشديدة.. فعندما خُلق الإنسان ووجدت فيه المشاعر لم تفضل في وجودها امرأة.. أو رجلاً!

العدد 1140 - 22/01/2025