اذهبوا بحقدكم بعيداً عن عالمهم!

هذا كان فيما مضى، أيام كانت الطفولة تحمل أسمى معاني البراءة والجمال، أيام كان الآباء يرون في أطفالهم ذاك المستقبل المنشود، والحلم المرجو، حين كان الطفل إنساناً له الحق في أن تفتح الدنيا والحياة له أبوابها على مداها الواسع.

اليوم، لم يعد في بلادي أطفال!!

هذي البلاد لم تعد تتسع لبراءة الأطفال وجمالهم، فقد اتسعت لتشمل الحقد والكراهية والبغض، وليس أشدُّ حقداً من إشراك الأطفال في جريان نهر الدم وهم لا حول لهم ولا قوة، لا يعرفون ماذا يحدث، ولماذا يموت آباؤهم، وتضيع أمهاتهم، وتُسرق حياتهم، وتتبعثر عائلاتهم، فيوءدون في مهودهم.

اشترك أطفال بلادي رغماً عنهم في كل ما يجري، فحين نربي الطفل منذ الصغر على كراهية الآخر المختلف عنه، وحين يتشرّب الحقد جرّاء فقدانه لبيته الأول وبيئته ومدرسته الأولى، وحين يكبر وهو مُجبر منذ نعومة أظفاره على العمل ليسدّ رمق الجوع ويُبعد شبح الموت عنه وعن غيره، نكون قد أشركناه فيما لا يد له به، ومع مرارة هذه الحال نتمنى لو أن الأمور تتوقف عند تلك الحدود، لأن ما يجري صار أكثر إجراماً بحق الطفولة الموءودة قبل أن ترى النور، عندما يجري تدريب الأطفال على استخدام السلاح، والتباهي بذلك من خلال نشر مقاطع مصورة على الملأ، يكون فيها السلاح أطول من حامله، أو أن يأتي حاقدٌ من أيّ طرف كان، فيلعب بعقل هذا الطفل أو تلك الطفلة ويوهمه/ا بأنه/ا عصفور من عصافير الجنة وعليه أن يعود إليها، ولن تتم العودة إن لم يُحزَّم بحزام ناسف ليتم تفجيره فيما بعد ضمن مجموعة من الأعداء، وكلما زاد عدد القتلى كانت فرص الدخول إلى الجنة أكثر، وكأنه في أحد برامج المسابقات التي تعتمد على نيل أكبر عدد من الفرص للفوز بالجائزة الكبرى!

من نصَّبكم أيها الكبار الأشرار قضاة لتقضوا بأن على ذاك الطفل البريء أن يعود إلى الجنة؟ ثمّ، أين هي الجنة التي وعدتموه بها، لينفذ دون أن يفهم ما يفعله، فهل عرفتموها أنتم من قبل؟؟ ولماذا تعطون لأنفسكم الأحقية باختيار هذا الطفل أو ذاك دون غيره ليكون أداة جرائمكم الحقيرة، فإن كنتم قد تشرّبتم الحقد فلتقوموا بأنفسكم بتلك الأفعال المشينة والشنيعة، ولتبعدوا الأطفال عن ساحات جنونكم الذي لن ينتهي!

ثمّ، أين هي تلك المواثيق والمعاهدات الدولية التي تبنّت رعاية الأطفال في ظلّ الحروب الدائرة بين الكبار الوحوش؟ لم نرَ منها ولا من القائمين عليها إلاّ حبراً على ورق، والتبجح بها وحفظها حفظاً صماً دون رغبة حقيقية في التقيّد بها أو تنفيذ مضامينها… ولن نرى!!

إذاً.. فلتحملوا حقدكم في قلوبكم ولتمضوا بعيداً عن أطفالنا وأطفالكم… فأنتم لا تستحقون لقب آباء ولا أمهات، فإن كان القدر قد حكم على الأطفال أن يكونوا أبناءكم فمن الأفضل أن يترعرعوا وحيدين في هذا العالم الموحش بعيداً عنكم، وإن تشربوا الحقد بعد أن يكبروا، يكون ذلك جرّاء معاناتهم وآلامهم التي عايشوها بعد خوض غمار الحياة، وليس بسبب عقولكم التافهة وقلوبكم التي لا تعرف أي معنى للرحمة والخوف عليهم… اذهبوا ببغضكم وحروبكم من هنا، فإن أطفالنا يستحقون عالماً لا وجود لكم فيه، ولا يشبه جناتكم الكاذبة التي لا وجود لها إلاّ في عقولكم المريضة!

 

العدد 1140 - 22/01/2025