قليلاً من الرحمة…فنحن شعب غير متطلّب
يُعتبر مستوى تطور التعليم في أيّ من دول العالم معياراً لرقيها وتقدمها، ولذا تسعى معظم الدول للاهتـمام به بشتى السبل، بينما لا نزال نحن في بلدنا نقبع تحت عقليةٍ تهدف إلى كل ما من شأنه أن يرجعنا عقوداً، لا بل دهوراً إلى الخلف، من خلال القرارات التي تصدر عن الوزارات أو المؤسسات والمجالس المعنية بقطاع التعـليم، وآخرها ذاك القرار الصادر مؤخراً بشأن رفع رسوم التسجيل في كل مراحل التعليم الجامعي الذي بات بين أيدي الجميع، أو من خلال تصريحات المسؤولين غير المسؤولين عمّا يقع خلف كلماتهم وما تحمله، كتصريح معاون وزير التعليم العالي بأن مهمة التعليم المفتوح هي الثقافة وليس التعليم بهدف دخول سوق العمل.
ألم يكفنا حتى اليوم طلاباً وأهلاً ما نعيشه منذ سنوات، بسبب حرب شعواء أكلت ولا تزال تأكل الأخضر واليابس في جميع مجالات حياتنا؟؟
ألا يكفينا الوضع الاقتصادي السيئ من ساعةٍ لأخرى حتى بات النفس الذي نتنفسه يقاس بالدولار كعملةٍ صعبة؟
إلى متى سنبقى نتحمّل تبعات كل ما جرى ويجري وندفع ثمنه من حياتنا وبالدولار؟؟
ألم ينتبه المعنيون بأن قراراتهم هذه من شأنها أن تبعد شبابنا وشابّاتنا عن التوجه للتعليم، في ظل الغلاء المعيشي المستشري مقابل التوجه للعمل بأي مجال يسد رمق جوعٍ يتفشى، وأن الانكفاء عن التعليم(على الرغم من ملاحظاتنا العديدة المتعلقة بقطاع التعليم وآليات العمل المطبقة)، سيؤدي إلى التوجه إلى دروبٍ لا حصر لها من الانحدار القيمي أو الفكري أو الاجتماعي؟؟؟
فغالبية الطلاب سيعزفون عن التعليم لأنه لم يعد مجانياً كما هو معروف، فإذا ما قارنا تلك الرسوم الجديدة المعلنة بمستوى الدخل ومستوى المعيشة فسنجدها باتت غاليةً، مرهقةً، خصوصاً إن كان في البيت الواحد عدة طلاب في مرحلة التعليم الجامعي، وبالتالي سيكون عليهم السعي للبحث عن عمل كيفما اتفق، أو التوجه لأية جهة تدر عليهم أموالاً هم بأمس الحاجة لها، بغض النظر عن أفكارها التي قد تكون رجعية أو ظلامية أو غيبية، ومهما كان الثمن باهظاً والذي لم يعد يقتصر على النواحي الأخلاقية ومنظومة القيم المجتمعية التي ترعرعنا عليها جميعنا..
فطالبٌ مستجدٌّ سيكلف أهله مبالغ طائلة لن تتوقف عند رسوم التسجيل، حتى وإن كان مُجدّاً محاولاً ألاّ يرسب مثلاً كي لا يزيد من تلك التكاليف، فنحن نعلم بأن قضاء يوم واحد في الجامعة كم تبلغ تكلفته بين تصوير محاضرات، وحلقات بحث، وقرطاسية من هنا أو هناك، مما سيجعل الأهل يقفون عاجزين عن تحقيق حلمهم وحلم أبنائهم في إكمال المشوار، وحدّث ولا حرج عن الحالة الشعورية في هذه الحالة سواء للأهل أو للطالب نفسه، أما ذاك الطالب الذي لم تؤهله علاماته للدخول إلى التعليم النظامي فلجأ إلى التعليم المفتوح كطريقٍ آخر لتحقيق حلمه بنيل شهادةٍ جامعيةٍ، ماذا عليه أن يفعل بعد أن بات في منتصف الطريق، يعدُّ الأيام المقبلة حتى يتخرج ويجد عملاً ما، وإذا به يصطدم بتلك التصريحات (المحترمة) التي أفقدته ذاك الأمل المنشود، ها هو اليوم يترنّح بين عجزه عن المتابعة أو المضي مخلفاً حلمه خلف ظهره…
كفاكم أيها المسؤولون تحميلنا ضريبة أمورٍ لا علاقة لنا بها ولا طاقة لنا على سدادها، أبهذا توطدون العلاقة بيننا وبين بلادنا التي رفضنا مغادرتها والتخلي عنها في محنتها رغم الموت اليومي متعدد الألوان؟؟؟ أعلى هذا الشكل تكون المكافأة؟؟ إننا لم ولن نطلب مكافأةً على التشبّث ببلدنا، فهذا واجبنا وحقها علينا، لكننا نطلب القليل من الرحمة… إن كنتم تملكونها تجاه البلاد قبل أن تكون تجاه شعبٍ لا يطلب إلاّ أن يعيش ببعض الكرامة…