كتاب إلى «أمير المؤمنين»!
نظراً إلى أن مناهجنا الدراسية في الوطن العربي تعاني قصوراً واضحاً فقد فات أمير المؤمنين أبا بكر البغدادي بعض الدروس التاريخية، وربما تغيب عنها لسبب صحي أو بداعي السفر والله أعلم، أما أول هذه الدروس فهو ذلك المتعلق بحصار دمشق سنة 635 وكتاب الأمان الذي أعطاه خالد بن الوليد لمسيحيي دمشق، والذي تأمن بموجبه كل الدور والكنائس من أي أذى أو انتهاك (لم نذكر العهدة العمرية لأن بيت المقدس خارج حسابات دولة أمير المؤمنين). والذي لم يسمع به البغدادي، بل ربما اعتقد أن تيمورلنك هو أحد الخلفاء الذين يجب عليه الاقتداء بسنّتهم، ولذلك فهو يرى أن برج الرؤوس الذي أقامه ذلك المغولي يجب أن يرتفع في كل مكان تطؤه أقدام جهادييه، أما عن معاوية بن أبي سفيان والشعرة التي حرص على إبقائها صلة بينه وبين الناس، فقد تعمد الخليفة الجديد تجاهله نظراً إلى أن عدوه يستخدم النهج نفسه، بينما هو يفضل أن تكون له شخصيته المستقلة غير المبتلية بآفة التقليد، فإذا تركنا بني أمية ودولتهم المترامية الأطراف وانتقلنا الى دولة بني العباس، نجد أن ما حضره البغدادي من دروس يقف عند الدرس الأول المتعلق بأبو العباس السفاح والرؤوس التي قطعها ليؤسس حكمه، وقد فاتته الدروس اللاحقة سواء تلك التي تتعلق ببشار بن برد الذي فضل إبليس على آدم، ورغم ذلك شفعت له موهبته الشعرية (قتل لاحقاً بسبب هجائه للخليفة لا بسبب زندقته)، أو تلك التي تتعلق بأبي نواس الذي لم يقرض الشعر إلا بعد أن روى لستين شاعرة عربية وكان يصدح بخمرياته ويتغنى بكؤوس المدام وسقاتها، والذي لم تمنعه طريقة حياته من احتلال مكانة كبيرة لدى هارون الرشيد الذي كان يحجّ عاماً ويغزو عاماً، حتى الخلفاء الذين تلوا هارون الرشيد لم يمنع أحدهم النواسي من معاقرة الخمر، بل إن أحد أولئك الخلفاء وهو إبراهيم بن المهدي كان من المغنين المشهورين بالعصر العباسي، ولنقفز الآن بضعة قرون لنقف بين يدي أبي بكر، ولكن ليس البغدادي بل أبو بكر الرازي الذي كان أشهر أطباء العالم قاطبة، لنراه وهو يخط رسالة يشرح فيها فوائد الخمر وأياديه البيضاء على جسم الإنسان دون أن يجد ذلك العالم النطع والسياف بانتظاره. فهل فاتت أمير المؤمنين كلُّ تلك السنون التي تربو على الستمئة ؟ هل يعتقد أن الخليفة سليمان القانوني هو أول الخلفاء؟ لا نملك جواباً عن هذه الأسئلة بل يجب التنبيه إلى أننا لم نذكر قصة ولاّدة ابنة الخليفة المستكفي، لعل قراءة أخبار النساء من المحرمات التي تستوجب القتل، وبالتالي نعيذ أمير المؤمنين من الوقوع بها.