المحبة يُظهرها العطاء النقي

 التجاهُل تعبير عن الكراهية، والمحبة تبرز في أنواع العطاء المتنوعة. للكراهية أنواع وصِيَغ مختلفة لعلّ أبرزها وأكثرها ضيماً هو التجاهُل(ذلك الناتِج عن الغيرة والكراهية)، تجاهُل الآخر وتجاهُل مميزاته ونجاحاته وإنجازاته. هذا التجاهُل الذي لا يدلُّ إلاّ على هزيمة داخلية تتملّك شخصية فاعله وإعاقة عاطفية وفِكرية مُستديمة.

يقول جورج برنارد شو في هذا الصَّدَد مؤكِّداً كمّ الكراهية المُترافِقة مع فِعل التجاهُل قائلاً: (أنْ تكره الآخر ليس إثماً عظيماً، لكن أنْ تتجاهلَه هو الوحشية بعينها!). من هنا، فأنْ يتعامل الفرد مع نماذج كهذه، ويتعرّض لهذا النوع من الكراهية الواضحة التي تتمثّل بالتجاهُل، فعليه أن يُدرك أنّه يتعامل مع شخصية مرَضية أولاً، وأنه لا يمكن بناء علاقة مع هذا الكمّ من الكراهية، لأنّ هذا التجاهُل يحمل خلفه انفجاراً إذا ما لامس حقيقة فاعله، فالأفضل ألّا يكون الفرد جزءاً من هذه العلاقة.

 إنّ مَن يتجاهل ميّزات الآخَر أو نجاحاته وإنجازاته لا يمكن أن يكون صديقاً أو قريباً، وما على الفرد في موقف كهذا إلاّ أن يبتسم ويتصرّف بكل عفوية مختاراً البُعد عن هذا الشَّر الواضح، لأنّ تجاهلَه لن يُغيّر شيئاً في نجاحه، فصراخ البعض أو صمتهم لن يوقف مسير القافلة.

التجاهُل بهذا التوصيف هو عنوان الكراهية، وهو سيف يقطع أواصر أي علاقة. فالعلاقة الإنسانية لا تُبنى بزيارة، ولا بدعوة عشاء، لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. العلاقة تُبنى بالمحبة والاهتمام والعطاء بأشكاله المُتعددة والاعتراف بالآخَر. التجاهُل لن يوصل أي علاقة إلى النجاح ولا الاستمرارية بأي شكل، هو فقط يُظهِر الجانب القاتم لفاعله، يُظهر كمّ الغيرة والبُغض والحقد وضعف صاحبه عن تقبُّل حقيقة وجود الآخر وتفوّقه وإيجابياته ومميّزاته، فضلاً عن فقدان المُتجاهِل للثقة بالنفس وشعوره بانهزامية مُطلَقة.

من هنا، فالأفضل للفرد ألاّ يُضيّع وقته وطاقاته مع مَن يتجاهلونه ويكرهون نجاحاته وتميّزه، ويعيشون بحالة نكران رافضين تصديق إنجازاته بسبب كمّ الكراهية والحسد الذي يحملونه، بل والأكثر وحشية أنهم يَعْمدون إلى تسخيف أي عمل لمحاولة التقليل من شأن الآخَر غير مُدرِكين أنهم(إنما يُعبِّرون عمّا في داخلهم من هزيمة أمام حقيقة تفوّقه عليهم).

 إنّ المشكلة موجودة في أفكارهم وبُنيتهم العقلية والتربوية التي نشؤوا عليها، فالأجدى للفرد أن يتركهم ويجتهد في تحقيق ما يليق به، وألا يترك لشرّهم المجال أن ينتشر، لأنه لن يكون هناك مستقبل لأي علاقة وديّة سليمة.

 يقول أنطوان سعادة في هذا الصَّدَد: (ليس لابن النور صديقٌ بين أبناء الظُّلمَة، وبقدر ما يبذل لهم من المحبة، يبذلون له من البغض!).

 إنّ المحبة إنْ لم تُؤخَذ لا تُعطى، وإنْ لم تُعطَ لا تُؤخَذ!. فلنبن علاقاتنا على أساس (الشَّراكة) بالمحبة كي تُثمر وتُنجب أبناءً لها، كي نكونَ أبناء المحبة. 

العدد 1140 - 22/01/2025