حكومتنا عقب 200 يوم غرقت بشبر ماء.. ولا منجز اقتصادياً

لماذا لم تحقق الحكومة منجزاً اقتصادياً مهماً، في الفترة الماضية؟ مشروعية السؤال تنطلق من جدوى ما تتخذه الحكومة من قرارات، والتوجهات التي تحكم عملها. إذ انتهت المئة يوم الأولى ثم الثانية، فيما الثالثة على الطريق، من عمل الحكومة، وفريقها الاقتصادي، واللجنة الاقتصادية المصغرة، ولم يتغير شيء، لم تتحرك المياه الراكدة، ولم تلبِّ جهة اقتصادية مطالب وتطلعات الناس الضيقة جداً في هذه الفترة. بل على العكس تماماً، هناك من يمارس دوره بطريقة مثيرة للشفقة والتساؤل، وكأن البلاد تعيش أفضل حالاتها، وأن اقتصادنا مازال على حاله، وحركة الترانزيت، والتجارة، والصناعة على سابق عهدها.

الواضح، أن الحكومة تتعامل مع القضايا الاقتصادية الملحّة والمطلبية، بعقلية المبررات، وليس بذهنية ما يمكن إنجازه. فالحرب الطاحنة التي وقعنا ضحيتها، باتت تخيّم على صناع القرار الاقتصادي، وتحدّ من قدرتهم على الإنجاز، بل إن معظمهم يرمون كل التقصير في الأداء والفشل في الإنجاز على هذه الحرب.

واللافت أن معظم القرارات المتخذة، كان يمكن أن تمرّ بسهولة، وتأخذ حقها في القبول الشعبي، لو تعاملت الحكومة بشفافية مع الواقع الاقتصادي، لكنها وقعت في المآزق المختلفة نتيجة غياب الخبرة والدراية.

ضيّعت الحكومة فرصاً كثيرة ولم تستثمرها بالشكل المناسب، لخدمة توجهاتها الاقتصادية، لاسيما الليبرالية منها، بل أنها جنحت بقوة نحو الليبرالية الاقتصادية، وحاولت اتخاذ مواقف لا تعبّر عن قوتها وتوجّهاتها الاجتماعية وسياساتها الاقتصادية. وأسندت حكومتنا معظم مبررات قراراتها ذات الأهمية إلى مطالب الناس والنقابات، كرفع سعر المازوت، فيما عجزت حتى الآن عن اتخاذ موقف يمهّد لعلاقة ثقة مع المواطنين، لاسيما فيما يتعلق بسعر صرف الليرة المتهاوي. هل تظن الحكومة، والسلطة النقدية، أن الوعود الكثيرة الرامية لضبط سعر الصرف، أدت الغرض المطلوب؟  قطعاً لا، لأن كل الوعود والإجراءات المنتظرة، لم تقترن بعمل حقيقي واحد، أو فعل يتناسب مع الواقع، ولهذا فإن كل ما يقال حول وهمية سعر الصرف بالسوق السوداء هو الوهم الحقيقي.

كان يمكن للحكومة عقب 210 أيام، أي ضعفي المهلة التي تعطى عادة للحكومات لتبدأ تطبيق خططها، أن تحدّثنا عن منجز محدد في كل قطاع من القطاعات الإنتاجية، وتخبرنا بشفافية عما فعلَتْه لتنشيط العمل الاقتصادي، وإعادة انطلاق العمل بعدد من المنشآت الصناعية، والمساحات المزروعة، وغيرها من النشاطات التي تختزل الأداء، وتعبر عن المنجز. زرع الفلاح السوري أرضه، برغبة منه، وبتصميم فردي، وليس بدعم حكومي. هل قدّمت وزارة الزراعة مستلزمات الإنتاج كما هو مطلوب للفلاح؟ أبدت هذه الوزارة عجزاً عن تقديم مادة المحروقات لزوم تنفيذ الخطة الزراعية، ولولا اهتمام الفلاحين بزراعة أرضهم لما تحدّث أحد عن تنفيذ خطة زراعية، إذ تجاوز سعر ليتر المازوت 225 ليرة، فيما كانت الاجتماعات الفلاحية العبثية تقرر كمية المازوت التي يجب أن تصل لكل فلاح لزراعة أرضه. بالمسطرة ذاتها يمكن القياس على بقية القطاعات، هل كانت كل الجهود الحكومية الرامية لإعلان بدء تشغيل آلات مدينة الشيخ نجار الصناعية بحلب حقيقية؟ لو كانت كذلك، لما وصل سعر ليتر المازوت في حلب إلى 450 ليرة، بالتزامن مع سعي الصناعيين لبدء تشغيل مصانعهم ومنشآتهم، فكيف يمكن لهم المنافسة وتقديم منتج بسعر مناسب ومستلزمات الإنتاج أسعارها مرتفعة؟

المنجز الوحيد الذي حاولت الحكومة الاعتداد به، كان سماحها للقطاع الخاص باستيراد مادة المازوت، وتسويقها لهذا القرار بأنه سيؤدي إلى انفراجة حقيقية في أزمة المحروقات في شتاء بارد، إلا أن النتيجة الفعلية التي حصدتها كانت خيبة الأمل، وفقدانها لجزء من الثقة، بدليل تقرير المصرف المركزي الصادر مؤخراً الذي كشف عن تحقيق أربعة مستوردين لخمسة مليارات ليرة أرباح حقيقية من هذه العملية، وعدم التزامهم بأسعار بيع المادة المحددة، دون التطرق لمدى حل مشكلة مادة المحروقات.

لا توجد حكومة تعجز عن تحقيق منجز اقتصادي واحد، والحديث عنه، خلال سبعة أشهر من عملها، كما هو وضع حكومتنا الحالية، التي يبدو أنها غرقت في شبر ماء.

العدد 1140 - 22/01/2025