امرأة من زجاج تحت مطرقة من تفكير
الفتاة كالثوب ناصع البياض، رقيق البدن يُعاب صفاؤه أبداً إن تلطّخ مرة، وهي أيضاً كالزجاج الرقيق النقي، تلبسه الغباشة من لمسة، أو يهوي وينكسر لو مسّه النّسيم، هذا ما كانت تقوله جدتي ثم أمي من بعدها، ثم إنه رأي جاراتنا وقريباتنا الأخريات من الأمهات والجدات، وقد حفظت، عن ظهر قلب، هذه التوصيفات حتى باتت فلسفة ذاتية لي ولرفاقي من جيلي ومن هم أكبر وأصغر مني أيضاً، ذلك أن الفتاة هي خاصرة الأسرة الرخوة والتي لولاها في المقام الأول لا تُمسُّ ولا تُعاب سمعة عائلة مهما ضؤل السبب.
تأملت كثيرًا هذه القضية، وخضت مراراً في هذه المعادلة، معادلة الشرف وعند أي حدّ يمسُّها سلوك البنات في مجتمعنا ذي الأفق الضيق والنظرة القصيرة، الذي سيبقى كذلك إلى أمدٍ غير معلوم. فمع ثقافة مصادرة رأي الفتاة وحريتها، تساوَق وتزامن تصدير السمعة ووصم الحال الأنثوي المغاير للاعتقاد ورشقه بكثير من التكهنات والتوقعات القهرية المرضية- هي مطلقة أو هي زوجة مستبدلة، إذاً هي دون مواصفات الجودة الأخلاقية- كاعتبار وفهم مبدئي إلى أن يصل المحيط إلى تبرئتها تباعاً من كل التهم والعجز، ثم قد يستوعب هذا المحيط من الرجال والنساء تحميل الرجل مسؤولية نتيجة ما يتبعها غالباً سيل من الأسباب، وغالباً ما تكون تبريرية الهوية زائفة التسويق، دون اعتبار لظرفٍ كثير الحصول دائم التكرار، وهو غياب جو التفاهم والثقة واستحالة الحياة والعيش في جحيم سيأتي حتماً بنتائج كارثية على الأولاد والأسرة.
كل هذا يحصل إذا ما حدث الزواج ثم فشل. وماذا لو أنه لم يحدث وبُتِرَ هذا المشروع (الزواج) في مرحلة البناء، أي الخطوبة أو التعارف التي اكتسبها مجتمعنا حديثاً كثقافة تحصيلية من التجار؟ للأسف ستكون القراءات نفسها غالباً، وكلما طالت فترة الخطوبة وتعمّقت، زادت حدّة التكهنات والاتهامات، وكل هذا يعود لثقافة جداتنا_ سامحهنّ الله_ حين علّمننا في هذا سوء النيّة والكيل بمكيالين تجاه الجنسين، نبحث عن الأفضل ثم إن لم يتناسب نرمه تحت رحمة أفواه المجتمع وألسنة قليلي الضمير، أهكذا تُستقرأ قيم النساء؟ ومن هذا المنظور يُحكم على من تبحث لنفسها عن الأفضل والأكثر تناسباً؟ إنه لعجبٌ عُجَاب أن يكسد سوق العرسان لفتاة تستطيع التمتع بحرية الاختيار والتأني، حتى يقال عنها إنها قد باتت مستهلكة، وكأساً من بلور اتسخ وتفسخ، أو ثوباً تلطّخ فذاع صيته؟!