عبد اللطيف الأرناؤوط… إبداعات متجددة وعطاء دائم

يقول د.عبد الكريم الأشتر، في تقديمه لكتاب عبد اللطيف الأرناؤوط (تجربتي في الثقافة والأدب): (إذا جاز أن توصف الكتب بالحياة وبالموت، فهذا كتاب حي في جملة نواحيه. حيّ من حيث صلته بحياة صاحبه، ففيه يبسط تجربته الخصبة فيما عالج من فنون الكتابة إبداعاً ونقداً، وما وعى من ضروب الثقافة الإنسانية، وما بذل في السعي إلى إحكام آثارها في حياة الناس. وحيّ من حيث الرغبة في أن يفيد زملاؤه الكتاب الآخرون من تجربته، على اتساعها وتعدد ميادينها، فيما  أفلح، وفيما أخفق على السواء. وحيّ من حيث السعي إلى تعزيز أثر هذه المعرفة، بالشرح النظري حيناً، وبالمثال التطبيقي حيناً، وبالاستعانة بآراء المنظرين من النقاد والأدباء أحياناً، وحَيّ من حيث الاقتراب من أخطر قضايا الثقافة العربية وما تواجه من تحديات العالم الحديث… وحي من حيث تطلعه إلى مستقبل الأجيال العربية، عن طريق معالجته أدب الأطفال والكتابة لهم، ومن حيث اهتمامه بأدب المرأة الذي تكتبه هي، أو يكتبه الرجل في قضايا تمسها، والغايات التي يلزم أن نسعى إليها فيه. وحيّ، من حيث القيم السليمة النبيلة التي بنيت فصول الكتاب على جدارتها في حياة الإنسان ومراعاتها فيما يقول ويفعل، وحيّ، في لغته التي تحققت له فيها صفات الأديب المتمكن، والبساطة الجميلة والدقة والوضوح والنفوذ والحرارة، في وقت واحد، وهي كلها انعكاس حيّ لفكر صاحبها، وسلوكه العام).

و(تجربتي في الثقافة والأدب) يضم تسعة أبواب يتناول عبد اللطيف الأرناؤوط، فيها، تجربته مع الشعر، وحكايته مع القصة القصيرة، وأدب المرأة، والنقد، والحداثة، والترجمة، والتراث، والكتابة للأطفال، وقصصهم بين الكاتب والناقد.

وكما يقول د.الأشتر في تقديمه القيّم، الذي أشرنا إليه، فإن الأرناؤوط، في أبواب كتابه كافة، يقوّم تجربته تقويماً يقوم على تغليب صوت الفطرة على صوت الصنعة، من دون أن يعني هذا إنكار مكان الصنعة من فنون القول على اختلاف تقنياتها. ولكنها الصنعة المختفية التي يتلبسها الطبع ويطويها، حتى كأن المعرفة فيها بدهية من بدهيات العقل لم يتعب الرجل في تحصيلها واستيعابها والعودة إليها في تكوين نظرته إلى الحياة وأشيائها، وإلى الأدب وفنونه، وإلى الإنسان ومكانه من الوجود والكون. ولعلنا نشاطر أستاذنا الأشتر ما ذهب إليه بأن (تجربتي في الثقافة والأدب) يعدُّ لوناً من ألوان السيرة الفكرية. وقد فعل الأستاذ الأرناؤوط خيراً، إذ وضع بين أيدينا، وبقلمه، خلاصة تجربته، على مدى عمره الفكري المديد، وهو بذلك ينهج نهجاً له قوامه وأرضيته لدى العديد من كتابنا ومفكرينا يجعل القارئ، والناقد على وجه الخصوص، على بينة وإحاطة في نتاج علم من الأعلام يساعده في الدراسة والتحليل…

في عام 1992م، أصدر عبد اللطيف الأرناؤوط (اعترافات امرأة) وهي مجموعة قصص اجتماعية كتبها في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي، ونستغرب تأخير إصدارها ثلاثة عقود من الزمن، وكأني بها باكورة النتاجات المطبوعة لأديبنا على شكل كتاب.

وقصص هذه المجموعة، كما يقول مقدمها فالح فلوح، تلح على أهمية دور الزوجة المخلصة لزوجها ولمثلها، تحاول أن تعالج بصبر ما يعترض زواجها من صعوبات، أو ما يمكن أن تعاني بسبب عيوب أو أمراض نفسية واجتماعية، وقيم بالية يحملها الأب أو الزوج أو الأخ، فهي القادرة على احتواء عيوب الرجل ومعالجتها، والتخلص من وضعها معه، دون أن يدفعها وضعها المنزلي الزوجي إلى ردود فعل طائشة، أو سلوك مرفوض…

إن قصص عبد اللطيف الأرناؤوط تستهدف إحداث تطهير في نفوس القراء، ينبع من التأثر بسلوك الشخصيات والتبصر بالعواقب الوخيمة التي يسببها سقوط المرأة بسبب نزواتها، أو بتأثير الرجل نفسه، وأثر سقوطها فيها وفي أفراد أسرتها وفي المجتمع، والأهم من كل ذلك الدعوة إلى منح المرأة دوراً مكافئاً للرجل في علاقتهما الإنسانية….

يذكر أن قاصنا قد أهدى مجموعته: إلى كل امرأة تعيش في ظل الإثم والخطيئة غير مبالية بالقيم النبيلة، وغير عابئة بقدسية الحب والوفاء… وفي عام 1993 أبحر أديبنا مع غادة السمان في رحلة أعمالها غير الكاملة، واستهل كتابه بإهدائه إلى زوجته… القنديل الذي أنار حياتي وأشرقت خيوطه في كلماتي، ويذيّل الإهداء بكنيته: أبو ماهر، مكرساً  بذلك  خصوصية العلاقة وقدسيتها. ويتناول الأرناؤوط، فيما يتناوله، إضافة إلى عالم الاغتراب عند السمان، رواياتها: (في بيروت،75 كوابيس بيروت، ليلة المليار، عيناك قدري، رحيل المرافئ القديمة، في بحيرة الشيطان، وغيرها…). ويروق لأديبنا الإبحار في عالم الأديبات فيصدر في عام 1996 كتابه: (ليلى العثمان  رحلة في أعمالها غير الكاملة) الذي يقول د. بديع حقي في تقديمه: إنه يرتدي إهاب الناقد والرائد المرشد معاً؛ إلى الينابيع الثرة التي تنهل منها ليلى. ويفرد، في العام نفسه، ضمن سلسلة: خالدون في ذاكرة التاريخ، التي يبدو أنه عقد العزم على إصدارها. كتاباً بعنوان: (شفيق جبري شاعر الشام) الذي قرّظه د. خالد قوطرش بقوله:….. لقد استطاع أن يسبر أعماق أدب شاعر الشام من مختلف جوانبه، باتجاهات أدبه شعراً ونثراً وقوفاً عند العوامل التي أسهمت في تكوينه، ومكانته الريادية في عصرنا، فكان أدبه ونقده حجر الزاوية في إرساء الحداثة التي تقوم على الاعتدال والمواءمة بين الموروث الأدبي والثقافي والمعاصرة….

في عام 2000م أصدر الأرناؤوط ما نظمه من شعر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تحت عنوان: (عزف على قيثارة الوطن) ، ويهديها إلى أمه: إلى حجر عينيك العميقتين بأسرار الحياة والحب والعطاء  إليك يا وطني، أرفع ألحان قيثارتي… وتكتسب هذه المجموعة أهمية إضافية من المقدمات والتقريظات التي كتبها سليمان العيسى (عزف على الجدول السلس)، وفالح فلوح (كلمة من القلب)، ومحمد منذر لطفي (مع قيثارة الوطن). وقد كتبت سمر رسلان في تصديرها: تتميز قصائد عبد اللطيف الأرناؤوط بعذوبة الأجواء وسلاسة اللغة والحميمية النفسية، والاقتراب الأليف من الحياة والحب، وقدرة واضحة على صياغة مشاعره وأحاسيسه ضمن رؤية فنية تشف عن طاقة تعبيرية… وقد نجح بإشاعة البساطة، وتكريس الانتماء للوطن ولآمال الشعب في الحرية والخلاص…. وجدير بالتنويه أن لعبد اللطيف الأرناؤوط أربع مجموعات شعرية باللغة الألبانية: ما وراء الجبال والبحار، لهيب الشوق، دعوة للمرأة، ومئة فتاة وامرأة في حياتي. ويستهل أديبنا تأليفه عن الشيخ عبدالعزيز التويجري، فيصدر  ضمن سلسلة خالدون في ذاكرة التاريخ: الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري  مواقف من الحضارة والتراث  ثم يتبعه ب: أدب السيرة الذاتية عند الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، أدب الحوار الفكري، (الشيخ التويجري ناثر في إهاب شاعر).ويواصل إصدار سلسلته اللافتة، فيكون: (معروف الأرناؤوط، رائد الرواية التاريخية في بلاد الشام)، و(عبدالقادر الأرناؤوط: شاعراً، أديباً، فناناً)، و(الشاعر سليمان العيسى) من الأعلام الذين تناولتهم بالدرس والتحليل. ويخص البياتي بكتاب عنوانه: (عبد الوهاب البياتي  رحلة الشعر والحياة  الذي تتوهج عنده الكلمة بلمعان خلاب في قلب عالم الطبيعة الملون حيث الربيع والعصافير ونور الشمس مقابل الظلام والجدب والموت…وتتوالى إبداعات الأرناؤوط فيصدر (أوراق السراب)، وهي تأملات بعد الستين من العمر، و(نفحات من الشعر الألباني المعاصر في كوسوفا)، وهي ترجمة، ثم يصدر تحت عنوان: (العواصم والمدن العربية في شعر خالد الخنين)، التي يخالجه الأمل في أن يكون لدنيا العروبة والإسلام عاصمة واحدة كما كانت دمشق زمن بني أمية، أو بغداد زمن بني العباس.

العدد 1140 - 22/01/2025