الدجاج يبيض ذهباً والفروج يحلّق..

قطاع الدواجن يُستنزف.. ومطالب بتحرّك حكومي لإنعاشه

 

وثبات خيالية لمادتي الفروج والبيض، فبين يوم وآخر، وحتى بين سوق وآخر، نجد تفاوتاً في أسعار هاتين المادتين. الفروج الذي كان سابقاً ملجأً للفقراء وبديلاً عن اللحوم الحمراء، أصبح هو أيضاً لا يقبل بموائدهم وتكبر عليها لينضم إلى قائمة السلع الخاصة بالأغنياء. وما أكثر الفقراء في يومنا هذا وفي ظل الأزمة الراهنة! ففي اعترافات الكثير من المسؤولين عن مراقبة السوق، كمديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ريف دمشق، أوضح مديرها في أحد تصريحاته أن أسعار البيض والفروج لا تتناسب ودخل الفرد. وهنا نسأل: ما هي المواد التي لاتزال أسعارها تناسب دخل الفرد؟ ونقصد بالفرد، أي المواطن الموظف الذي لم يفقد وظيفته، أو حتى انتُقص من معاشه الشهري؟ فكيف الحال بالعاطل عن العمل أو الذي راتبه لا يتجاوز 8 آلاف ليرة شهرياً؟

قضية الفروج والبيض هي قضية مزمنة، ففي كل عام، بل في كل شهر، نشهد تأرجحاً في أسعارهما، والجديد هنا هو أن أسعار هاتين المادتين قفزت لتكسر حاجز التوقعات، فصحن البيض أصبح من الصحون الطائرة بأسعاره إذ تجاوز سعره 300 ليرة سورية، وكأن الدجاج يبيض ذهباً. أما الفروج فسعر الكيلو الواحد المنظف منه أصبح 230 ليرة، وسعر الفروج البروستد والمشوي أصبح 550 ليرة سورية. ونحن لن نأتي على ذكر النشرة التأشيرية التي تصدرها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لأنها في حقيقة الأمر لا يتعدى تنفيذها حدود الورق المكتوبة عليه. ونحن لا نتكلم من فراغ، بل من واقع وأرقام، حتى إن أحد موظفي وزارة الاقتصاد قال لي مرة: (ذهبت لأشتري بعض الأشياء من أحد المحلات التجارية، فطلبت سلعة، وكان سعرها يفوق ما ذُكر في النشرة التأشيرية، وكانت صادرة حديثاً، فماذا أقول للبائع؟.. هل أقول له: لماذا لا تلتزم بهذه النشرة؟ أم أقول له: أنا من وزارة الاقتصاد؟ فأخذت السلعة وصمتّ، فالصمت أفضل!).

نحن في كلماتنا التالية، سنلقي الضوء على أسباب ارتفاع هاتين المادتين، وأجرينا في سبيل ذلك عدة لقاءات، مع المربين ومع المؤسسة العامة للدواجن.

البداية كانت مع مدير مؤسسة الدواجن عدنان عثمان، الذي أوضح في حديثه لجريدة (النور)، أن أسعار النشرة التأشيرية الصادرة أخيراً أوضحت أن سعر كيلو الفروج 215 ليرة، وذكرت أيضاً أن سعر صحن البيض 175 ليرة. وهذه الأسعار لم تتغير عن النشرة السابقة، وهذا دليل على أن أسعار هاتين المادتين شهدت استقراراً بعض الشيء في السوق.

الأرخص عالمياً!

وأضاف: بالنظر إلى أسعار هاتين المادتين في الأسواق، فصحن البيض يتراوح سعره ما بين 255 و270 ليرة، وذلك حسب وزنه، أما الفروج فيتراوح سعره ما بين 210 و215 ليرة ويوجد بعض الأسعار التي لا تتناسب مع حالة السوق ومخالفة له في عدد من المحلات التي تبيع هاتين المادتين.

أما بالنسبة إلى أسباب ارتفاع أسعار هاتين المادتين، فتتجلى بارتفاع أسعار العلف عالمياً، وأؤكد أنه برغم ارتفاع أسعار العلف وصعوبة نقله وتأمينه، إلا أننا مازلنا الأرخص في أسعار هاتين المادتين عالمياً. مع الإشارة إلى أن تكلفة إنتاج هاتين المادتين لدينا هي أعلى من دول الجوار، ولكن الأسعار عندنا أرخص. ففي أيامنا الحالية شهدنا اعتصام العديد من المواطنين في عدد من الدول مثل بريطانيا والسعودية نتيجة ارتفاع أسعار هاتين المادتين.

وقال عثمان: نحن في المؤسسة العامة للدواجن خططنا تنفّذ، ولكن ليس كما نأمل، بسبب الظروف الراهنة التي يمر بها القطر، فبعض المحافظات خرجت من عملية الإنتاج خروجاً نهائياً، أي أن إنتاجها هو صفر. كما خرج عدد كبير من المربين في محافظتي درعا وإدلب. ويمكن تقدير أن 40% من المربين خرجوا من العملية الإنتاجية على مستوى القطر، في حين 60% منهم مازالوا موجودين فيها.. أما بالنسبة إلى المؤسسة فخطوطها تنتج بطاقة تصل نسبتها إلى80%.

قروض ميسرة للمربين

وعن مطالب المربين قال عثمان: بعض المربين لا سيولة لديهم، وطالبوا بالحصول على قروض ميسرة جداً وطويلة الأمد، وهذا الأمر قيد المعالجة مع وزارة الزراعة التي تتابعه مع اللجنة الاقتصادية. ففي حال تيسرت هذه القروض، فإن ذلك سيؤدي إلى عودة الكثير من المربين إلى العملية الإنتاجية، وخاصة مربي الفروج.. ويمكن القول بأن الوضع سيكون أفضل عما هو الآن.

وعن توقعاته بالنسبة لأسعار هاتين المادتين في الأيام المقبلة أوضح عثمان: لا أتوقع أي ارتفاع في الأسعار، بل ربما يطرأ انخفاض على سعر البيض.

ارتفاعات شاهقة في المواد العلفية وأجور النقل

بعد سماع السابق توجهنا إلى المربين والتقينا أحدهم ممن يقطنون في ريف دمشق، فأكد أن المربين يواجهون موجة غلاء عارمة في أسعار المواد العلفية، إذ زادت أسعار فول الصويا في الوقت الحالي بحدود 200%، ومادة الذرة الصفراء زاد سعرها بحدود 80%. وتشكل هاتان المادتان 90% من الخلطة العلفية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية التي زادت بنسبة 100%. أما أجور النقل بين المحافظات فقد زادت بحدود 200-300%، إضافة إلى صعوبة النقل بين المحافظات وانعدام الأمان على الطرقات وعدم توفر المحروقات بالشكل المطلوب.

وأضاف: يعد قطاع الدواجن من القطاعات الحساسة أيضاً، فأوجه الإنفاق فيه متعددة ومتسعة، وذلك مع غياب دعم من الحكومة لهذا القطاع. فإلى الآن لا يوجد مظلة واحدة تضم معظم العاملين في هذا القطاع الحيوي الذي يشغل ما لا يقل عن 4% من قوى العمل في سورية، لذا نأمل من الجهات الوصائية الوقوف على معاناة هذا القطاع، والعمل على حلها قدر الإمكان.

وذكر المربي أنه في حال عدم تدارك الصعوبات التي تواجه المربين، فإن الفروج في طريقه إلى  الانقراض في السوق المحلية، مشيراً إلى أن الأسواق حالياً تعاني نقصاً حاداً في هذه المادة، لأن الكثير من المربين خرجوا من العملية الإنتاجية.

وقال أيضاً: المواد العلفية يحتكرها بعض التجار ويتحكمون في أسعارها لندرة العلف حالياً وصعوبة تأمينه. فهم يطلبون أسعاراً مرتفعة كثيراً تنعكس بشكل مباشر على المنتج النهائي، وبالتالي على المستهلك والمربي معاً. فالمربي لم يعد يحتمل الخسائر أكثر، والمواطن لن يستطيع تحمل أسعار الفروج والبيض التي أخذت بالصعود المفاجئ.

وأضاف المربي: تعرض المربون سابقاً إلى خسائر فادحة، لدرجة أن البيض أصبح يباع بأقل من سعر التكلفة، وكذلك الأمر بالنسبة للفروج، وذلك خوفاً على الأفواج من الموت نتيجة العوامل السابقة. وبالطبع يحمل وزر تخبط هذا القطاع إهمالُ الحكومة له وعدم تنظيمه.

وأشار أيضاً إلى أن تكلفة الكيلو غرام من الفروج قد بلغت سابقاً 112 ليرة، في حين سُوّق ب 92 ليرة، وبالطبع الخسائر تحمّلها المربي، فهل يوجد حل لهذه القضية يحقق عدالة في السعر؟

أما المواطن أنس فقد قال بأنه سيقوم بادخار 100 ليرة يومياً لكي يستطيع هو وعائلته المكونة من خمسة أشخاص شراء فروج مشوي أو بروستد يوم الجمعة الذي أصبح سعره 600 ليرة سورية.

تعليق: التحرك لمواجهة صعوبات القطاع

ختاماً نود التنبيه إلى أن قطاع الدواجن هو قطاع حيوي وذو قيمة اقتصادية حقيقية في الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يحتم علينا التحرك لمواجهة صعوباته قدر الإمكان. وبالطبع بادرت الحكومة إلى ذلك، فقد صدر منذ فترة قصيرة قرار حكومي برفع الضميمة عن مستوردات الذرة الصفراء والشعير للقطاع الخاص حتى نهاية العام الجاري، كخطوة لتخفيف الأعباء المالية على منتجي الدواجن والثروة الحيوانية، والمحافظة على استمرارية هذا القطاع، وبالتالي توافر المنتجات في الأسواق المحلية بأسعار مقبولة. كما لابد من الإشارة إلى بعض المقترحات التي رفعت إلى الحكومة تتعلق بهذا القطاع، مثل تقديم التسهيلات لاستيراد الأعلاف من دول الجوار للمربين الحاصلين على رخصة نظامية لمزاولة مهنة تربية الدواجن، والاكتفاء بالكشف الحسي على المادة عبر المنافذ الحدودية، وتشميل قطاع الدواجن بالدعم الزراعي، ودعم الصادرات، وتنظيم تربية الدواجن، وصدور قانون في سبيل ذلك.

الجدير ذكره أن سورية تحتل المرتبة 48 عالمياً بإنتاج لحم الدجاج من أصل 237 دولة عالمياً. فهي تنتج نحو 182 ألف طن من اللحم، وفي المرتبة 39 عالمياً بإنتاج البيض من أصل 239 عالمياً، وبحسب تقرير منظمة التنمية الزراعية العربية في نهاية عام 2011 فإن سورية تحتل المرتبة الرابعة عربياً في إنتاج البيض والفروج، وذلك بإنتاج يتراوح بين 4 و5 مليارات بيضة، متقدمة بمرتبة واحدة على المستوى العربي، وبالتالي فإن حصة السوري الواحد تتراوح، وسطياً على الورق، بين 200 و250 بيضة سنوياً.

العدد 1140 - 22/01/2025